ملحمة الإنسان والزمان ////م 5 //// أخي صبحي الجيار ///// الحلقة الخامسة ////////////////////////////////////////////////////////////////////
 ملحمة الإنسان والزمان
    
/////    5 
//////
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
            أخي صبحي الجيار  
                     //////  الحلقة الخامسة //////          
                                              بقلم 
                     أحمد عبد اللطيف النجار 
      
                         كاتب عربي 
يبدأ معنا الاديب الكبير أخي صبحي الجيار سرد
بداية المأساة منذ مولده، يقول أخي صبحي .....
عندما خرجت الي هذا العالم ، كانت اسرتي  تنتظر وسولي 
في لهفة وشوق ، فقد كنت أول صبي  في
الجيل الرابع  من أسرة الجيار ، ويبدو ان أسرتي  كانت تؤمن بتحديد النسل  في عصر يمارس 
سياسة الأرانب ، حتي أنها لم تنجب 
خلال ثلاثة أجيال  غير أربعة
ذكور  فقط !
عاشت أسرتي في حي مصر القديمة ، وكان هذا
الحي  نشطاً بالتجارة  في ذلك العصر .
في هذا الحي وُلدت وما زلت أعيش فيه حتي الآن
.
لم ينجب جدي الرابع سوي أنثيين وذكر واحد ،
هو جدي الثالث الذي لم يعتني أبوه بتعليمه ، وسرعان ما جذبه بريق التجارة  والمكسب ؛ فانضم إلي أبيه ، وكان وقتها  ينتج الجبس 
والجير في قمائن  بحي الجيارة  التابع لقسم مصر القديمة .
كانت القمائن هي الطريقة البدائية  المتبعة قبل إنشاء المصانع الحديثة ،ولما كان
جدي الأكبر يتاجر في الجير ؛ فقد أطلق الناس عليه اسم الجيار وصارت هذه الصفة  لقباً لأسرتنا .
لم يتبع جدي الثالث سياسة تحديد النسل ،
فأنجب خمسة بنات وذكرين  فقط ، هما عمي وأبي
.
هكذا اقتصرت الأجيال الثلاثة علي  أربعة رجال ، كانوا يقيمون جميعا في بيت الأسرة  مع نساء العائلة بالطبع   ، الأرامل منهن والعوانس ، والمتمردات علي بيت
الزوجية  حتي يعدن إلي أزواجهن .
سافر عمي إلي أمريكا ودرس الصيدلة ، وعاد
ليتقلب في المناصب  الحكومية ، أما
ابي  فقد اختصر طريق العلم وسار علي نهج
بيه وجده  واندمج معهما في تجارة الجير
والجبس ، وتزوج في سن مبكرة  وأنجب
اثنتين  وازداد القلق  واللهفة في بيت الأسرة ، كانوا يأملون  في إنجاب ولد 
يفتتح الجيل الرابع  من أسرة  الجيار .
//// يواصل اخي صبحي حديثه العذب ........
في 27 فبراير 1927 خرجت إلي الدنيا لأحقق أمل
الأسرة ، فاستقبلوني بترحاب عظيم ، واتخذوا الإجراءات المشددة لحمايتي من الإمراض
والأخطار !
كانت لا تتم رضاعتي إلا تحت الناموسية ،
وكانت في ذلك العصر  علي شكل خيمة
كبيرة  مكعبة الشكل ، قاعدتها سطح السرير ذي
الأعمدة العالية .
كان يسكن أحد الطوابق في بيت الأسرة  طالب طب مجتهد ، تطوع بإعطاء التعليمات الطبية
الدقيقة ، الكفيلة  بحماية  الطفل المدلل الذي هو أنا !
وقد أصبح هذا الطالب فيما بعد هو الدكتور سيد
عفت  أستاذ الإمراض الباطنية بكلية طب
القصر العيني .
                             أول مشكلة  !
تحت هذا العنوان كتب أخي صبحي ......
في اللحظة التي خرجت فيها إلي الحياة  واجهتني أول مشكلة ، ولو أني لم اشعر بها !
فقد صرخت المولدة  في رعب عندما رأت المولود  أزرق الوجه ، يكاد يختنق ، وألقت أمي بنظرة
متلهفة  علي الوافد الجديد ، فوجدت المولدة
تفك  عن رقبتي شيئا كالثعبان الرفيع ؛
فصرخت مستنجدة بوالدي ، واقتحم أبي الغرفة 
مندفعا  ليري ان ولي العهد
يختنق  قبل ان يتنسم 
هواء الدنيا ، وراح يتعجل المولدة في هلع كي
تنقذ أمل العائلة  من هذا الثعبان
الطويل  الذي أتضح أنه الحبل السري  وقد التف حول رقبتي !
وكأنه 
نذير من السماء  بأن هذا الصبي
سيواجه في حياته سلسلة  طويلة من القيود ،
وكان الحبل السري اولي حلقاتها !
انفك القيد عن رقبتي  وانقشعت الزرقة الداكنة عن بشرتي ، وانطلقت
الزغاريد في بيت الأسرة ، ولم يخطر ببال أحدهم ان هذا الوليد  الصغير سيملأ مآقيهم يوماً بالدموع !!
//////// يواصل أخي صبحي مذكراته .....
بعد مولدي بستة اشهر أنجب عمي ابنه الأول ،
وبعده خرج أخي الوحيد مكرم إلي الوجود ، ثم رد عليه عمي بابنه الثاني ، ثم أحرز
عمي كذلك هدفه الثالث  وانتهت المباراة
بثلاثة أولاد لصالح عمي  واثنين لوالدي .
هكذا أصبحت أسرة الجيار ثمانية ، ثم توفي جدي
الأكبر عن واحد وتسعين عاماً ، ثم  توفي أبي
سنة 1958 عن واحد  وستين سنة ، وأصبحت
الأسرة  تضم  ستة رجال فقط 
يحملون لقب الجيار ، وعدت احتل مركز ولي العهد أو الرجل الثاني  بعد عمي من حيث السن .
لم يعد في أسرتي غيري أنا وأخي مكرم ، وكان أخي
مكرم  زاهدا في الزواج  والإنجاب 
، فهو يعمل طبيب في الريف  حيث يجري
سباق الأرانب ، وحيث يري عزرائيل يحصدهم بمنجل الفقر والمرض  والجهل 
؛ فاشمأزت نفسه  من جثث الأطفال
التي تتساقط أمامه عندما يأخذونهم إليه في الرمق الأخير !
اخي مكرم متزوج منذ أكثر من 9 سنوات وما زال
حتي الآن من أنصار  تحديد النسل أو منعه
نهائيا !
وكذلك أنا لن أتزوج لظروف مرضي المستحيلة !
ولا اشعر بالمرارة لانقراض عائلتي ، فاني لست
ممن يحرصون علي تخليد ذكراهم بعد موتهم عن طريق الأبناء والأحفاد ، فمن يضمن لي
ألا يخرج من بينهم من يسئ  إلي سمعة الأسرة  ويقلق عظامي 
في مرقدها الأخير !
وفي رأيي 
أن عمل المرء  وحده هو الذي يمجده
في دنياه  ويخلده في أخرته ، أما الأبناء
فضربة حظ  قد تصيب وقد تخيب !
//////// تعليق .........
تفكير فلسفي عميق من أديبنا الراحل صبحي
الجيار في موضع الذرية والأبناء مع اعترافنا صدقا ويقينا أن المال والبنون زينة
الحياة الدنيا كما قال رب العزة سبحانه وتعالي .
حقيقي عمل الإنسان  هو وحده الباقي من أثره في الحياة الدنيا  وليس الأبناء وحدهم .
فإلي الخائفين علي ثرواتهم وميراثهم ، اقول
لهم الله عز وجل وحده هو من يرث الأرض ومن عليها ، والإنسان مهما عاش عمره قصير ،
أقصر مما تتصورون ، ولكل أجل كتاب .
وعلي رأي أخي صبحي الأبناء ضربة حظ  قد تصيب وقد تخيب !
ــــــــــــــــــــــــــــــ نكتفي بهذا
القدر  ـــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــ إلي اللقاء مع الحلقة
السادسة .....
ـــــــــــــــــ قريباً إن شاء الله . 
                                        أحمد
عبد اللطيف النجار 
                                                 
كاتب عربي  




