الأربعاء، 25 أبريل 2018

سرديات قصيرة /////// رحم صناعي ! /////////////////////////////////////////////////////////////////

 سرديات قصيرة
 ــــــــــــــــــــــــــ
 
                رحم صناعي !                                
                     أحمد عبد اللطيف النجار
                                   أديب عربي


كثيرا ما سمعنا عن عمليات التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب التي بعثت الأمل  في الإنجاب للمحرومين من الإنجاب .
لكن لم نسمع أبدا عن الرحم الصناعي الذي يعني ببساطة شديدة  استئجار رحم امرأة  لمدة معينة حتي يتم الحمل والولادة ، وبعد ذلك  لا يتم نسب الطفل  لأمه الحقيقية وإنما للسيدة المجهولة التي استأجرت ذلك الرحم !
ذلك بالتأكيد كلام فارغ  وشاذ وغريب لا يقبله أي شرع  وتحرّمه كل الأديان السماوية .
لكن بكل أسف وحسرة هناك (( بعض ))  الأزواج يفعلون ذلك  بحجة أن أفراد العائلة  التي ينتمون إليها يطمعون  في ثروتهم الضخمة  التي لا وريث لها !
وإنهم ينظرون إليهم باعتبارهم  وديعة في بنك سوف يأتي اليوم الذي يستردونها فيه !
كوثر امرأة مكلومة شاء حظها العسير أن تتزوج من احد الأثرياء ، وتم الزواج بالفعل في مرحلة خريف العمر !
جاءتني ذات ليلة  حزينة ، قلقة من كثرة التفكير تقول :
زوجي كارم في حدود السنين  من عمره وأنا تجاوزت الخمسين ، وقد تزوجنا منذ عشر سنوات فقط !
زوجي  آنذاك كان قد تجاوز الخمسين  وأنا تجاوزت الأربعين .
كان كارم ناجح في حياته  العملية وكثير التنقل بين البلاد العربية والأوروبية، وقد ملأت عليه  أعماله كل حياته ؛ فلم يشعر بأي فراغ  لأنه لم يتزوج بالإضافة إلي عاطفته الحارة تجاه أبويه وإخوته .
كل ذلك كان يشغل حياته ويرضي عنها حتي لو انتهي به المطاف  إلي الوحدة في شيخوخته !
يبدو أن إحساسه بمضي الزمن كان ضعيف ، لكن أحد أصدقائه المعدودين  ظل يلح عليه  بأن يتزوج في هذه السن المتأخرة رغم اعتراض أهله وعدم رضاهم عن زواجه .
بعد البحث  وقع  اختيار كارم عليّ  وفقا للمواصفات المطلوبة لأكون هذه الزوجة .
تم الزواج (( السعيد ))  وكنت بفضل الله  وتوفيقه الزوجة المخلصة  والصديق الوفي  والشريك لزوجي كارم في السراء والضراء .
كانت كل الشواهد  تشير إلي إننا سوف نسعد بطفل  أو أكثر يملئون علينا حياتنا ، لكن مشيئة الله شاءت ألا ننجب ، وكان زوجي كارم لا يهتم بالموضع مطلقا ، وزاد اهتمامه بي واصطحبني معه  في كل أسفاره .
بدأ أهله يكيدون لنا وبدأنا نسمع وشايات كاذبة من هنا وهناك من أجل الإيقاع بيني وبين زوجي  لأني لم أنجب له طفل !
صارت أيامنا مريرة ؛ خاصة بعد اكتشافنا أن الكل يطمعون فينا ، وأخذت المسألة مسار آخر حين راح الأقرباء ينظرون إلينا كوديعة في بنك الموروثات وينتظرون بفارغ الصبر  أن يحصل كل منهم علي ميراثه !!
ساعتها فكرت مليا وعرضت علي زوجي الانسحاب من حياته لأترك له فرصة الزواج من أخرى تنجب له البنين والبنات ؛ لكنه رفض بإصرار ، ونحن الآن نبحث  عن امرأة في سن مناسبة  تكون مؤهلة للإنجاب ؛ توافق علي أن تكون(( رحم صناعي))  لكي تنجب لنا  عدة أطفال  ويتم ذلك عن طريق زواج عرفي أو شرعي ، ويكون
الاتفاق أن نعطيها عن كل طفل تنجبه مبلغ مائة  ألف  دولار ؛ شريطة التنازل عن هذا الطفل ، ولا يتم حرمانها  في نفس الوقت من رؤيته  والتعرف عليه  وزيارته حيث نقيم !
فأين نجد تلك الإنسانة (( الرحمانية ))  الملتزمة بشرع الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم ؟
////  هل تعتقدين أختي  الفاضلة أن تلك الإنسانة ملتزمة حقا بشرع الله  وسنة رسولنا الكريم صلي الله عليه  وسلم ؟!
لا والله ، إنه طلب شاذ وغير إنساني  !!
ولكن عمليا والشعوب العربية جائعة ، مشردة  ولاجئين بين بلدان العالم ؛ يمكن تحقيق رغبة السيدة كوثر بهذا العرض المغري جدا .... مائة ألف دولار .... مبلغ مغري بالفعل لأن يبيع الإنسان العربي روحه وليس ابنه !!!!
ولكن السيدة كوثر وزوجها يريدون ( استئجار )  رحم امرأة بائسة وفقيرة جدا بالطبع ؛ تحت مُسمي  الزواج الشرعي أو العرفي وبلا أي ركن من أركان الزواج  المشروع ؛ كالمعاشرة والإشهار  والرحمة والمودة والمسئولية الأدبية  والاجتماعية ؛ لكي يقوم الطب الحديث ( الذي لا يقف أمامه عائق )   بتلقيح رحم تلك المرأة البائسة بماء الزوج بغير تلامس بينه  وبينها  ولا
أية صلة إنسانية  بينهم ، فإذا نجحت تلك العملية الرحمانية  الشاذة  وأثمرت جنينا  جاء إلي الحياة   بعد تسعة شهور!
الخطوة التالية هي ان تتنازل المرأة الرحمانية  عن الطفل للزوجين مقابل العرض المغري جدا ، مع استعدادهم بالسماح لها برؤيته والتعرف عليه بعد عام او عامين ولا بأس بتكرار العمليه أكثر من مرى نظير 100000 دولار أمريكي عن كل رأس !
يا له من مبلغ تسيل له لعاب أي امرأة في عالمنا العربي البائس !!
لكن تلك قسمة ضيزى ، أي ظالمة ، فمن الناحية الشرعية ؛ السيدة كوثر  تغالط نفسها عندما تتوهم أن تفكيرها شرعي علي سنة الله ورسوله .
الجائز حقا وشرعا  هو تلقيح الزوجة  التي يكتمل لزواجها أركانه المعروفة ؛ بماء الزوج  بالوسائل  الطبية الحديثة  إذا تعذر ذلك بالوسائل الطبيعية  كما هو الحال في أطفال الأنابيب .
أما استئجار رحم امرأة  لها قلب ومشاعر  وأحاسيس بعقد زواج  مؤقت لتلقيح رحمها حتي يتكون  داخله جنين  لزوج صوري لم تعرفه مطلقا ؛ ثم ( الاستيلاء ) علي هذا الطفل عقب ولادته ؛ فلا تراه الأم  بعدها إلا بعد فترة
طويلة ولا تنشأ بينهم  علاقة  الأم الغريزية بوليدها ، وعلاقة الطفل الطبيعية بأمه !
كل ذلك غير جائز شرعيا ودينيا وأخلاقيا !!!
ذلك حقا عمل شيطاني !
لكني سوف اسأل السيدة كوثر سؤال واحد ؛ هل ترضين لنفسك يا ست كوثر  أن تكوني في موضع تلك المرأة البائسة التي تبحثين عنها ؟!!
ما هو شعورك لو اضطرتك الحاجة إلي قبول ذلك العرض الشيطاني ؟!
لماذا إذن ترضين لغيرك ما تأباه نفسك وكرامتك ؟!!
الواقع يقول أن حياتكم تمضي علي ما يرام والحمد لله وكلاكما حريص علي الآخر وراض عن حياته معه !
فما يضيركم أن ينظر أليكم الأقارب كوديعة في بنك الموروثات ؟!!!
ألسنا جميعا وديعة  عند خالق السماوات والأرض ؟!
لماذا تحاولان  تغيير حكمة الله ومشيئته سبحانه وتعالي في المواريث ؟
وماذا يضير المرء بعد رحيله أن تتقاسم  ثروته زوجته مع إخوته  وقد فرغ من الحياة وهمومها  ، ولم يعد  يمثل له ماله شيئا أو يغني عنه شيئا ، فلا يتبقى له  من حياته الدنيا سوى عمله الصالح وسيرته الطيبة !
حتى لو افترضنا  أن مشروعكم  الشيطاني  قد نجح ووجدتم المرأة البائسة التي ترضي بذلك ، فما هي  حكمة إنجاب طفل لأب تجاوز الستين  وترشيحه لليتم  صبيا وارد جدا  بحكم سُنة الحياة  ومتوسطات الأعمار .
نصيحتي للست كوثر وزوجها  المحترم  هي أ ن يختصان طفلا من أطفال الملاجئ  أو أطفال الشوارع ( وما أكثرهم في وطني العربي ) يختصان طفل يتيم من هؤلاء البؤساء  بالعطف والرعاية و لا أقول التبني  !
يعني يكفلون طفل مسكين من هؤلاء  المساكين  ولا يضطرون للتحايل علي الشرع  والدين !
هكذا وصانا رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم  قائلا :
أنا وكافل اليتيم وفي الجنة .
أما خوفهم علي المال والثروة ، فلتذهب الثروة إلي الجحيم ، تلك الثروة التي تجعل بني آدم  كالوحوش  المفترسة تماما ،وتقطع  الأرحام وأواصر المحبة بين الأشقاء !!
إنها ثروة ملعونة !!
هي نفسها الثروة الملعونة التي جعلت  حكامنا العرب يتمسكون بالسلطة  حتي دخولهم القبر !!
ويح لهم من أغبياء ؛ يظنون  أن كرسي السلطة سيصاحبهم داخل قبرهم !!!!
اسألوا علي عبد الله صالح ( حاكم اليمن السابق )  هل مازال يجلس علي عرش اليمن داخل قبره ؟!!!
اسألوا معمر القذافي ، هل ما زال   وهو في جهنم ، يعتبر نفسه ملك ملوك أفريقيا ؟!!!
اسألوا حسني مبارك ( فرعون مصر الأخير )  هل ما زال يحلم بالعودة لحكم مصر ، أو أن يأخذ معه كرسي السلطة إلي قبره المنتظر ؟!!!!
اسألوا الرجل الزين ، زين العابدين بن علي  ، هل مازلت منفوخ مثل الطاووس وأنت هارب كالفأر عند أسيادك السعوديين ؟!!!!
اسألوا بشار الأسد ( نيرون سوريا )  ألم تشبع بعد من دماء السوريين المساكين ، والعرب كل العرب خاضعين وعاجزين عن ردعك ؟!!!!!
اسألوا صدام حسين ، هل قابلت أم المعارك في أخرتك ؟
هل نفعك مالك  وسلطانك  أمام  حساب الله سبحانه وتعالي ؟!!
تلك هي لعنة المال ، جعلت حكامنا مسعورين علي السلطة ، متوهمين طول الأجل ، والعمر لو يعلمون قصير جدا جدا !
العمر لو يعلمون قصير جدا !
العمر لو يعلمون قصير جدا !!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                              أحمد عبد اللطيف النجار
                                       أديب عربي