الاثنين، 4 يونيو 2018

ملحمة الإنسان والزمان ////م 5 //// أخي صبحي الجيار ///// الحلقة الخامسة ////////////////////////////////////////////////////////////////////


 ملحمة الإنسان والزمان
     /////    5  //////
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
            أخي صبحي الجيار  
                     //////  الحلقة الخامسة //////          
                                              بقلم
                     أحمد عبد اللطيف النجار
                                كاتب عربي

يبدأ معنا الاديب الكبير أخي صبحي الجيار سرد بداية المأساة منذ مولده، يقول أخي صبحي .....
عندما خرجت الي هذا العالم ، كانت اسرتي  تنتظر وسولي  في لهفة وشوق ، فقد كنت أول صبي  في الجيل الرابع  من أسرة الجيار ، ويبدو ان أسرتي  كانت تؤمن بتحديد النسل  في عصر يمارس  سياسة الأرانب ، حتي أنها لم تنجب  خلال ثلاثة أجيال  غير أربعة ذكور  فقط !
عاشت أسرتي في حي مصر القديمة ، وكان هذا الحي  نشطاً بالتجارة  في ذلك العصر .
في هذا الحي وُلدت وما زلت أعيش فيه حتي الآن .
لم ينجب جدي الرابع سوي أنثيين وذكر واحد ، هو جدي الثالث الذي لم يعتني أبوه بتعليمه ، وسرعان ما جذبه بريق التجارة  والمكسب ؛ فانضم إلي أبيه ، وكان وقتها  ينتج الجبس  والجير في قمائن  بحي الجيارة  التابع لقسم مصر القديمة .
كانت القمائن هي الطريقة البدائية  المتبعة قبل إنشاء المصانع الحديثة ،ولما كان جدي الأكبر يتاجر في الجير ؛ فقد أطلق الناس عليه اسم الجيار وصارت هذه الصفة  لقباً لأسرتنا .
لم يتبع جدي الثالث سياسة تحديد النسل ، فأنجب خمسة بنات وذكرين  فقط ، هما عمي وأبي .
هكذا اقتصرت الأجيال الثلاثة علي  أربعة رجال ، كانوا يقيمون جميعا في بيت الأسرة  مع نساء العائلة بالطبع   ، الأرامل منهن والعوانس ، والمتمردات علي بيت الزوجية  حتي يعدن إلي أزواجهن .
سافر عمي إلي أمريكا ودرس الصيدلة ، وعاد ليتقلب في المناصب  الحكومية ، أما ابي  فقد اختصر طريق العلم وسار علي نهج بيه وجده  واندمج معهما في تجارة الجير والجبس ، وتزوج في سن مبكرة  وأنجب اثنتين  وازداد القلق  واللهفة في بيت الأسرة ، كانوا يأملون  في إنجاب ولد  يفتتح الجيل الرابع  من أسرة  الجيار .
//// يواصل اخي صبحي حديثه العذب ........
في 27 فبراير 1927 خرجت إلي الدنيا لأحقق أمل الأسرة ، فاستقبلوني بترحاب عظيم ، واتخذوا الإجراءات المشددة لحمايتي من الإمراض والأخطار !
كانت لا تتم رضاعتي إلا تحت الناموسية ، وكانت في ذلك العصر  علي شكل خيمة كبيرة  مكعبة الشكل ، قاعدتها سطح السرير ذي الأعمدة العالية .
كان يسكن أحد الطوابق في بيت الأسرة  طالب طب مجتهد ، تطوع بإعطاء التعليمات الطبية الدقيقة ، الكفيلة  بحماية  الطفل المدلل الذي هو أنا !
وقد أصبح هذا الطالب فيما بعد هو الدكتور سيد عفت  أستاذ الإمراض الباطنية بكلية طب القصر العيني .
                             أول مشكلة  !
تحت هذا العنوان كتب أخي صبحي ......
في اللحظة التي خرجت فيها إلي الحياة  واجهتني أول مشكلة ، ولو أني لم اشعر بها !
فقد صرخت المولدة  في رعب عندما رأت المولود  أزرق الوجه ، يكاد يختنق ، وألقت أمي بنظرة متلهفة  علي الوافد الجديد ، فوجدت المولدة تفك  عن رقبتي شيئا كالثعبان الرفيع ؛ فصرخت مستنجدة بوالدي ، واقتحم أبي الغرفة  مندفعا  ليري ان ولي العهد يختنق  قبل ان يتنسم
هواء الدنيا ، وراح يتعجل المولدة في هلع كي تنقذ أمل العائلة  من هذا الثعبان الطويل  الذي أتضح أنه الحبل السري  وقد التف حول رقبتي !
وكأنه  نذير من السماء  بأن هذا الصبي سيواجه في حياته سلسلة  طويلة من القيود ، وكان الحبل السري اولي حلقاتها !
انفك القيد عن رقبتي  وانقشعت الزرقة الداكنة عن بشرتي ، وانطلقت الزغاريد في بيت الأسرة ، ولم يخطر ببال أحدهم ان هذا الوليد  الصغير سيملأ مآقيهم يوماً بالدموع !!
//////// يواصل أخي صبحي مذكراته .....
بعد مولدي بستة اشهر أنجب عمي ابنه الأول ، وبعده خرج أخي الوحيد مكرم إلي الوجود ، ثم رد عليه عمي بابنه الثاني ، ثم أحرز عمي كذلك هدفه الثالث  وانتهت المباراة بثلاثة أولاد لصالح عمي  واثنين لوالدي .

هكذا أصبحت أسرة الجيار ثمانية ، ثم توفي جدي الأكبر عن واحد وتسعين عاماً ، ثم  توفي أبي سنة 1958 عن واحد  وستين سنة ، وأصبحت الأسرة  تضم  ستة رجال فقط  يحملون لقب الجيار ، وعدت احتل مركز ولي العهد أو الرجل الثاني  بعد عمي من حيث السن .
لم يعد في أسرتي غيري أنا وأخي مكرم ، وكان أخي مكرم  زاهدا في الزواج  والإنجاب  ، فهو يعمل طبيب في الريف  حيث يجري سباق الأرانب ، وحيث يري عزرائيل يحصدهم بمنجل الفقر والمرض  والجهل  ؛ فاشمأزت نفسه  من جثث الأطفال التي تتساقط أمامه عندما يأخذونهم إليه في الرمق الأخير !
اخي مكرم متزوج منذ أكثر من 9 سنوات وما زال حتي الآن من أنصار  تحديد النسل أو منعه نهائيا !
وكذلك أنا لن أتزوج لظروف مرضي المستحيلة !
ولا اشعر بالمرارة لانقراض عائلتي ، فاني لست ممن يحرصون علي تخليد ذكراهم بعد موتهم عن طريق الأبناء والأحفاد ، فمن يضمن لي ألا يخرج من بينهم من يسئ  إلي سمعة الأسرة  ويقلق عظامي  في مرقدها الأخير !
وفي رأيي  أن عمل المرء  وحده هو الذي يمجده في دنياه  ويخلده في أخرته ، أما الأبناء فضربة حظ  قد تصيب وقد تخيب !
//////// تعليق .........
تفكير فلسفي عميق من أديبنا الراحل صبحي الجيار في موضع الذرية والأبناء مع اعترافنا صدقا ويقينا أن المال والبنون زينة الحياة الدنيا كما قال رب العزة سبحانه وتعالي .
حقيقي عمل الإنسان  هو وحده الباقي من أثره في الحياة الدنيا  وليس الأبناء وحدهم .
فإلي الخائفين علي ثرواتهم وميراثهم ، اقول لهم الله عز وجل وحده هو من يرث الأرض ومن عليها ، والإنسان مهما عاش عمره قصير ، أقصر مما تتصورون ، ولكل أجل كتاب .
وعلي رأي أخي صبحي الأبناء ضربة حظ  قد تصيب وقد تخيب !
ــــــــــــــــــــــــــــــ نكتفي بهذا القدر  ـــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــ إلي اللقاء مع الحلقة السادسة .....
ـــــــــــــــــ قريباً إن شاء الله .
                                        أحمد عبد اللطيف النجار
                                                  كاتب عربي  



0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية