السبت، 9 يونيو 2018

ملحمة الإنسان والزمان //// 7 /// أخي صبحي الجيار ///// الحلقة السابعة ///////////////////////////////////////////////////////////////////


 ملحمة الإنسان والزمان
     /////    7 //////
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
            أخي صبحي الجيار  
                     //////  الحلقة السابعة //////          
                                              بقلم
                     أحمد عبد اللطيف النجار
                                كاتب عربي

يواصل أديبنا الراقي صبحي الخيار حكاياته في كتابه النادر ( ربع قرن في القيود ) يحكي لنا عن أبيه قائلا ......
ترك والدي بصمات سلبية  في نفسيتي وكذلك  بصمات ايجابية كثيرة أدين له بفضلها ، منها الإيمان  والعلم ، وكان يتعلق أبي بالعلم نتيجة لبصمة سلبية تركها  جدي في حياته  عندما أهمل تعليمه  رغم ثرائه ؛ فحرج أبي إلي الحياة  وهو لا يحمل من المؤهلات  الدراسية  سوي لقب ساقط ابتدائية !
ومن هنا اتجه للعمل الحر  كمقاول معماري ، بينما أتم أخوه الوحيد تعليمه  في أمريكا ، وعندما سألت  جدي
فيما بعد ؛ لماذا أهمل تعليم والدي  بينما اهتم بتعليم  عمي ؛ قال في بساطة ،عمك أراد أن يتعلم  فصرفت عليه ، أما أبوك فكان يحب اللعب  ورفض الذهاب إلي المدرسة بعد رسوبه في الابتدائية ، فتركته علي هواه !
هكذا قال جدي دون ندم أو تأنيب ضمير .
لذلك تأثر أبي كثيرا مما حدث له ، وأصر علي أن يتعلم أولاده إلي أقصي درجة ممكنة .
كان اهتمام أبي بتعليمنا يتخذ أشكالا عجيبة صارمة ، فهو يختار أحسن المدارس الأميرية  ويسارع إلي دفع المصروفات  المدرسية ، وكان يشجعنا بالمنح المالية  عند نجاحنا ،حتي انه كان يتخذ تسعيرة ثابتة لكل درجة ؛ فكان يدفع لكل منا قرش صاغ  عن درجة عشرة من عشرة ، أو تسعة  ونصف  من عشرة ، وقرش تعريفة عن التسعة من عشرة .
ومن الصفات الحميدة  التي أخذتها عن والدي ؛ العطف علي  الضعيف ، فقد كان رحمه الله  في غاية الرحمة  والشفقة  علي فئة الخدم ، ولا اذكر انه أهان احدي الفتيات  اللاتي  التحقن بخدمة بيتنا  طوال حياتي ، بل كان  يتساهل كثيراً معهن ، وكان عطفه هذا يتجلي  أيضا مع الباعة؛ فيتساهل معهن في الثمن ، ودائما يقول لأمي الحسنة المخفية في البيع والشراء .
لم يكن والدي متدينا ً ، بمعني انه لا يصلي ولا يصوم  ولا يذهب إلي  بيوت الله ، ولكن تصرفاته  كانت أنبل كثيراً  من هؤلاء الذين يحرصون علي مظاهر التدين ؛ ثم يعيثون في الأرض فساداً !
وكان والدي يمقت هذه الفئة  ويتندر عليهم ، وأحيانا  يتصادف  أن أكون بجواره في نافذة حجرته  المطلة علي ميدان فم الخليج ، ثم ينطلق آذان الصلاة  فجأة ؛ فيهرع الناس إلي جامع سيدي الأنصاري  المقام في الميدان ؛ فيضرب أبي كفا بكف  وهو يشير إليهم قائلا ، هذا البقال فلان  أكبر حرامي ، وهذا الذي يمسك المسبحة في يده أكبر ضلالي ، وهذا معروف انه تاجر مخدرات !
وكان يطلق علي هؤلاء مثلاً مأثوراً  معناه ( يصلي الفرض  ويفسد في الأرض ) !
ومن الأقوال التي  كان يرددها في هذا المجال  ( الدين المعاملة )  وكان هذا مبدأه وشعاره  يطبقه بصدق وإخلاص ، ولم أره يوما طامعاً  في مال غيره ولا متكالباً علي المادة ، ولا يشتهي أكلة معينة إلا نادراً .
ومن المتناقضات في تصرفات أبي أنه  رغم تقديس العلم  بالنسبة لأبنائه وللآخرين ، فلم يحاول أن يلحق بقطار العلم في أية مرحلة من حياته .
كان والدي  يحب النوابغ من أصدقائي ، ويرحب بهم ،
بينما لا يهتم بالعاديين منهم حتي ولو كانت لهم مكانة خاصة عندي .
واذكر من زملائي النوابغ  الذين كان يحبهم أبي اثنين في المرحلة الابتدائية هما محمود حلمي البساطي وعبد المنعم حسين حافظ ، وهما اللذان  كانا يحتفظان بالمركز الأول والثاني  في ترتيب الفصل حيث أكون أنا الثالث .
وكان أبي يشجعني كثيراً علي مصادقتهما ومصاحبتهما ، خاصة أنهما علي خلق عظيم .
وبعد هذا بسنوات طويلة ، في سنة 1953 تعرفت علي طالب في كلية الحقوق اسمه أحمد فتحي سرور عن طريق مجلة روايات الأسبوع التي كنت اعمل بها سكرتيرا للتحرير ، وكان يهوى الأدب  وينشر قصصه في المجلة عن طريقي ، وكان هذا الصديق  الذي أصبح الآن الدكتور أحمد فتي سرور  مدرس القانون الجنائي  بكلية الحقوق ، كان هذا الصديق من أقرب الناس إلي قلب أبي !
وكان يفرح كثيراً بزيارته لي ، ويتتبع خطواته  بفخر الأب  وحنانه ،ويضرب به المثل لكل خائب  أو كسول !
 ////// تعليقي ..................
سبحان مغير الأحوال !
إنه هو نفسه الدكتور أحمد فتحي سرور ، أحد أركان حكم المخلوع حسني مبارك  !!
عرفناه وزيراً للتربية والتعليم ، ثم رئيساً لمجلس الشعب المصري ، ثم الكاهن الأعظم لفرعون مصر الأخير الرئيس محمد حسني مبارك !
كان يحلل له الحرام  ويحرم علي الشعب المصري السكين  الحلال !
بقول اخرس أيها الشعب المصري ، مجلس الشعب سيد قراره !!
أنعم وأكرم بسيد قراره !!
نعود إلي حديث صاحبي العزيز صبحي الجيار عن والده :
كان والدي علي صلة وثيقة بمدرسي  فصلي في جميع المراحل ، ويتردد علي المدرسة كثيراً ليعرف رأي أساتذتي في مجهودي الدراسي ، ويرجع إلي والدتي منشرحاً وعلي فمه ابتسامة رضا واسعة ، ويردد معها قول صقر أفندي مدرس اللغة العربية  ( أبشر بهذا الغلام ) !
كنت اسمع حكايات المدرسين عني بشيء من الدهشة والاعتزاز  ، ولم أكن اشعر أني أؤدي أكثر من واجبي ، ويبدو أن هذا الطراز من الطلبة لم يكن متوفراً، بحيث يبدو من يؤدي مجرد واجبه كأنه قام بمعجزة !
ولكن ..... هل دامت لي هذه الأبوة الحانية ؟!!
كلا .... للأسف !
فقد انقلب هذا الأب الحنون العطوف إلي ديكتاتور مستبد  يمعن في إذلالي ، ولا تغرب شمس دون ان يتحداني ويستغل ضعفي  ويهين كبريائي ، ويسفه آرائي ، حتي أصبحت الحياة معه جحيماً لا يُطاق ، ومما ضاعف من تعاستي أني لم أكن حتي أستطيع  الهروب منه ، بعد أن وضعني القدر في القيود  وتحت رحمته !
ولكن كيف حدث التحول الرهيب ؟!
سوف تعرفون ذلك من سياق أحداث حياتي ومأساتي .
 ــــــــــــــــــــــــــــــ   نكتفي بهذا القدر  ــــــــــــــــــــــــــــ
&&&&&   إلي اللقاء والحلقة الثامنة ....
  &&&& من ملحمة الإنسان والزمان  ...
&&&&& قريبا إن شاء الله ....
                                         أحمد عبد اللطيف النجار
                                               كاتب عربي





0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية