الأربعاء، 6 يونيو 2018

ملحمة الانسان والزمان //// 6 ////// أخي صبحي الجيار //////////////////////////////////////////////////////////////////


 ملحمة الإنسان والزمان
     /////   6 //////
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
            أخي صبحي الجيار  
                     //////  الحلقة السادسة //////          
                                              بقلم
                     أحمد عبد اللطيف النجار
                                كاتب عربي

يواصل أخي صبحي الجيار  حديثه القيم عن سيرة حياته ومأساته ، وقد آثر ألا يتكلم عن نفسه قبل ان يتكلم عن أبيه وأمه .
أفرد لهما  في مذكراته أكثر من 25 صفحة .
يقول أخي صبحي  في حديثه عن أبيه .....
الحديث عن الوالدين أمر شائك حساس ، فإذا امتدحتهما  اتهمني  الناس  بالتفاخر وإذا قدحتهما وصموني  بالعقوق والجحود .
لكني هنا أرصد الحقائق مجردة .
وبما أن الوالدين هما أكثر الناس التصاقا  بي طوال حياتي
، فقد كانا فعالين في تحديد شخصيتي ومستقبلي .
ولنبدأ بالوالد  ، فقد انتهت حياته  منذ سوات قليلة ، ولن اجد كثيراً من الحرج  في تحليل شخصيته وتصرفاته بصراحة ووضوح .
أنجبني ابي وعمره  ثلاثين عاما ويوم بالضبط ، ومن عجائب الصدف ان  جدي كان عمره ثلاثين عاما أيضا يوم انجب والدي !
ومع ذلك كانت صفاتنا  وظروفنا وطباعنا  وحتي حظوظنا مختلفة بعكس ما يدعيه الفلكيون من تشابه مواليد البرج الواحد !
وأقصد بالفلكيون  هؤلاء الذين  يملأون الصحف بنبؤاتهم  المختلفة حث يحكمون علي الملايين بظروف معينة !
والدي كان عاطفيا ، متطرفا في عصبيته  حتي يكاد الدم  ينبثق من وجهه  المحتقن أثناء ثورته .
وكان أيضا شديد الخجل ، مفرطا في الاعتداد بكرامته ، لدرجة التفريط في حقوقه ، وكان ينعكس هذا سلبيا علي ميزانية الأسرة  وذلك عندما  كان يخجل من مقابلة أصحاب شركات المقاولات  حتي تسند إليه احدي العمليات  المعمارية كمقاول من الباطن ، حتي اضطرته الظروف لأن يتخذ شريكا له قام بدور فعال  في حياة أبي  رغم انه كان أميا ، فقد كان يغطي الخجل الشديد الذي كان يعاني منه
والدي ، وكان يطرق أبواب العمل  في جرأة ودأب ، ويمهد الطريق  أمام  والدي الذي كان يتولى فيما بعد الاتفاقات والعقود  والمحاسبة  والمقايسات والمناقصات ، وهنا كانت تظهر كفاءة والدي وذكائه الحاد  وأمانته الكاملة في تنفيذ المواصفات  المنصوص عليها في العقد .
اذكر أني عندما كنت في المرحلة الابتدائية  أن والدي كان يقوم مع شريكه بتنفيذ أكثر من تسع أو عشر عمارات  يدور عليها بموتوسيكل صغير ، وأحيانا كان يعود الينا  محملاً بأكياس كبيرة  من القماش السميك  مليئة بالنقود  الفضية ، وسرعان ما كان يخفيها  في مكان أمين  حتي مساء السبت من كل أسبوع  حين يصرف منها أجور العمال .
كنت أتأمل هذه الأكياس  المكتظة بالمال  في كثير من الفخر  والاعتزاز  بأبي الذي كان يبدو لي كبطل من أساطير ألف ليلة وليلة !
كان يقول لي دائماً هذه ليست فلوسنا  يا بني ، إنها أجور العمال .
كان والدي حريصاً في صرف النقود ، وهذا كان يسبب خلافات كثيرة بينه وبين أمي ، وكنت انحاز دائما إلي جانب والدتي ، لأن والدي إذا أرخي قبضته كان الخير عم علينا جميعا ، وكثيرا ما كانت أمي تصدرني  دون أخوتي
في مثل هذه الطلبات  المادية لحظوتي عنده فكنت اطلب منه بيجاما أو قميص أو بذلة العيد أو المّح له عن الحذاء الذى بدأ نعله يتآكل ، فإذا اقتنع بطلبي تتوالي بقية الطلبات ، فيرضخ لها أحيانا ، وأحيانا كثيرة تتبخر أحلامنا  أمام إرادته الديكتاتورية !
ولا اذكر أبدا أن أبي قصد يوما أحد المصايف ، حتي الراديو كان يكرهه ، ولا يسمع منه  غير نشرة الأخبار  وأم كلثوم ، وبسببه كرهت انا وأخوتي  ووالدتي  صوت ام كلثوم ، فقد كان يوم حفلتها  الشهرية  يفرض الأحكام العرفية  في البيت ، فيحرم علينا الكلام  أو الحركة أثناء غنائها ، ثم يتربع علي الكنبة  ويسبل جفنيه  في انسجام شديد !
ويجثم الصمت والسكون الكئيب علي البيت كله ؛ فتضيق به صدورنا  الصغيرة ، ويزيد من  بغضنا لأم  كلثوم  ان والدي كان يكره تماما أن يسمع أحداً سواها  ممن نحبهم ، وكنت شغوفاً  جدا بصوت وموسيقي عبد الوهاب  وفريد الأطرش  والكحلاوي .
كثيرا ما حرمني منهم لمجرد أن أصواتهم تعكر مزاجه !
هكذا ظللت سنوات طويلة أتحسر بعقلي علي كنز ثمين يغترف منه العرب جميعاً بلا مقابل  وأنا لا أنفعل به وجدانياً ، وإن كان عقلي يدرك مدي قوة هذا الصوت
وشفافيته ونقائه !
كنت أتحسر كثيرا لأني محروم من هذا النبع الصافي والذي كان كفيلاً بإسعادي أنا الذي اعشق الموسيقي والنغم والأصوات التي لا تتطاول إلي حنجرة أم كلثوم !
وبذلت جهودا صادقة علي مر السنين حتي أتخلص من هذه العقدة دون جدوى !!
حاولت ان اسمعها وسط مجموعة من السميعة حتي انفعل معهم ، وحاولت أن اسمعها وحدي  في سكون ، وحاولت أن احفظ كلمات الأغنية  حتي أتتبع معانيها ، وحاولت أن اسمعها  والنور مطفأ حتي يساعدني علي التركيز !
وأخيراً ،، أخيراً بعد وفاة والدي  بسنوات خمس ، حدثت المعجزة  وانحلت العقدة ، وبدأت اهضم الصوت الساحر ، بل واستعذبه ، وذلك عندما شاءت الظروف أن يمتزج بشيء تهتز له أعماقي طرباً ، أي بموسيقي عبد الوهاب  في  رائعتهم أنت عمري ، ثم أصبحت أتذوقه حتي بغير موسيقي عبد الوهاب .
أننا نحب أحيانا شيئاً كنا نكرهه ، إذا ما اقترن بشيء نحبه ، شكراً للموسيقار عبد الوهاب الذي أعاد أليّ الكنز وليسامح الله أبي الذي سلبه مني سنوات طويلة !
/////// تعليق  .........
ما ذكره أخي صبحي عن هرم مصر والعرب الرابع  السيدة
الفاضلة أم كلثوم صحيح ألي حد بعيد حتي بين شباب الجيل الحاضر .
الكثيرون منهم لا يسمعون كوكب الشرق أم كلثوم ، بل ولا يطيقون سماعها َ!
وإذا سألتهم لماذا لا تسمعون الطرب الأصيل ؟!
يقولون لك أنعم وأكرم بالطرب الأصيل !!
نحن  الجيل الراقص ، تهتز حواسنا الخمس وأسماعنا علي الموسيقي الراقصة فقط ، والأصوات الراقصة فقط ، والكلمات الراقصة فقط !!
أنعم وأكرم بالجيل الراقص !
أنعم وأكرم بجيل الفيسبوك الراقص !!
انه جيل التكنولوجيا الراقصة والتقدم الأعمى نحو الهاوية !
انهم يعيشون في غيبوبة مستدامة !
يسمعون أصوات رديئة ويستلذون سماعها ، وأصواتهم الكسيحة تلك تحصد الملايين من جيوب هذا لجيل الراقص !!
رحم الله كوكب الشرق أم كلثوم ، والعوض علي الله في الفن العربي كله بعد رحيلها !
 وإنا لله وإنا إليه راجعون .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ نكتفي بهذا القدر ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلي اللقاء مع الحلقة السابعة قريبا جدا  ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ إن شاء الله ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                                     أحمد عبد اللطيف النجار
                                             كاتب عربي





0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية