ملحمة الإنسان والزمان ///// 9 //// أخي صبحي الجيار //// ربع قرن في القيود !! /////////////////////////////////////////////////
ملحمة الإنسان والزمان
///// 9 //////
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخي صبحي الجيار
////// الحلقة التاسعة //////
بقلم
أحمد عبد اللطيف النجار
كاتب عربي
طفولتي .....
تحت هذا العنوان كتب أخي صبحي الجيار في
تحفته الخالدة ( ربع قرن في القيود ) ........
كانت بداية حياتي سعيدة جقاً ؛ بصرف النظر عن
سلسلة الأمراض التي اعترضت طفولتي وصباي .
واذكر حادثاً وقع لي ذات صباح وأنا ذاهب إلي
المدرسة الابتدائية ، وكان عمري وقتها لا
يتجاوز السادسة ، ولكني أتذكر الحادث بتفاصيله .
كانت تمشي بجانبي ابنة عمي وهي تكبرني بعامين ، وإذ بامرأة ريفية تعترض طريقنا قبل باب المدرسة بحوالي
خمسين متراً ، وكانت ترتدي ثياباً سوداء
طويلة .
اقتربت مني المرأة وهمست في خوف :
ــ هل سمعتم عن اللص الذي يقف هناك عند باب
المدرسة ويجرّد الأطفال من نقودهم ؟
فهتفت في خوف وأنا أتلمس القرش التعريفة في جيبي :
ـــ كلا .. لم نسمع عنه ...
والتفت إلي ابنة عمي استنجد بمشورتها في هذا
المأزق ، فلم تهتم وظننت أنها مفلسة .
فجأة قالت المرأة الريفية في حنان واهتمام :
ـــ إذا كان معكم نقود أعطوها لي وأنا ألفها لكم في مناديلكم حتي لا يراها اللص اللعين !
شعرت بالقلق
علي التعريفة الذي في جيبي ، إنها خمسة مليمات كاملة هي مصروفي اليومي ، وبكل حرص وحذر أعطيت المرأة
كل ثروتي مع منديلي ، وما لبثت أن أعادت لي المنديل معقوداً علي القرش ، وقبل أن اشكرها ؛ انطلقت
تجري حتي تلحق ببقية الأطفال ذوي
المرايل والحقائب الصغيرة ، حتي تؤدي لهم
خدماتها الإنسانية وتحذرهم من اللص !
ولعجبي سمعت صلصلة النقود وهي تهتز في جيبها العميق ؛ فالتفت إلي ابنة عمي وسألتها في دهشة
، لماذا لم تربط هذه المرأة نقودها في
منديل حتي تخفيها عن
اللص ..؟!
نظرت إليّ ابنة عمي باستخفاف وقالت :
ـــ وهل صدقتها يا عبيط ؟... لقد سرقت قرشك
!!
فأسرعت اخرج المنديل من جيبي وأتحسس القرش فيه
، فأدركت لأول مرة أن القرش سميك عن المعتاد ، وبأصابع ملهوجة فككت المنديل ؛ وإذ
بي أجد القرش وقد تحول إلي زلطة رقيقة !!
ترك حادث النصب هذا أثر
كبير في حرصي التقليدي الذي لازمني
حتي الآن .
والحمد لله لم تكن بساطتي في طفولتي تؤثر في مستواي العقلي لحسن الحظ ، فقد
كنت متفوقاً في دراستي بدرجة تلفت أنظار
المدرسين ، وعندما نجحت آخر العام وانتقلت
إلي السنة الثانية الابتدائية كان ترتيبي الأول ، ففرحت عائلتي بتفوقي ،
ومنحني خالي ساعة فخمة ، اذكر أن ثمنها كان يومها مائة قرش وعشرة ، وكانت أول ساعة تلتف في رشاقة حول معصمي ، وظللت أحافظ
عليها حتي أهديتها لأحد أبناء أختي وأنا
في الثلاثين من عمري ؛ فخرّبها في شهور قليلة !
وعندما لمس والدي تفوقي المرموق بالمدرسة
الأهلية ؛ دفعه الطموح أن يدفع بي إلي المدارس الأميرية ، ذات المستوي الاعلي ،
مضحياً بالمصروفات المدرسية التي
كانت تتجاوز الستة جنيهات سنوياً .
ولك يكن هذا مبلغاً يُستهان به في محيط أسرتنا في ذلك العهد .
وفعلاً قدم لي طلباً للالتحاق بمدرسة العقادين الابتدائية بمصر القديمة ، وكانت النتيجة ان رسبت في امتحان القبول لاختلاف النظام عن
المدارس الأهلية كلياً !
وكان هذا اول وآخر امتحان أتذوق فيه مرارة
السقوط .
ومن عقد طفولتي أنني كنت في صباي انزعج جداً
من الظلام ، واشعر برعب قاتل إذا ما
تواجدت مضطراً في مكان معتم !
وكانت هناك عدة عوامل سببت لي عقدة الخوف من
الظلام ، اذكر منها كتاب القراءة الرشيدة الذي كانت به قصة عن كلب أمين استطاع أن
ينبه صاحبه إلي لص خطير مختبئ تحت السرير
، ومع القصة صورة متقنة للص وهو يبرز رأسه من تحت السرير والكلب ينبح أمامه ، وملامح اللص تبدو
بشعة متقلصة وبيده سكين ضخمة !
هذه الصورة التي ما زالت عالقة بمخيلتي حتي
الآن كانت ترعبني في صغري أشد الرعب ولا أستطيع أن أنام علي السرير قبل ان ابحث
تحته !
وحكاية أخري سمعتها من والدتي عن ست الحسن
والجمال التي حبسها أبوها السلطان خلف سبعة أبواب
حديدية خوفاً عليها من الغول ، لكن الغول سحر
نفسه ذبابة ، ونفذ من الأبواب السبعة ، ثم انتفض أمامها فعاد غولاً بشعاً ، لولا
أن الشاطر حسن أنقذها في آخر لحظة من
الغول .
وحكاية ثالثة اذكرها جيداً روتها لي عمتي
رحمها الله ، عن بائع الموز الذي كان
يصطحب معه زميله ، وعندما دخلت السيدة
لتحضر له ثمن الموز ؛ غافلها وانزوي داخل الدولاب
في حجرة نومها ؛ وعندما عادت
السيدة لتدفع للبائع ثمن الموز لم تجد غير زميله الذي اخبرها بأن البائع
سبقه علي السلم ، وفي هدوء الليل خرج البائع من الدولاب وذبح السيدة واستولي علي مجوهراتها !
تركت هذه الحادثة أثرا عميقاً في نفسي ، وكم
من الليالي قضيتها مسهداً وأنا راقب ضلفتي الدولاب في رعب ، متوقعاً خروج اللص بسكينه الحادة بين
لحظة وأخري !
عادة تقبيل الأيدي
تحت هذا العنوان كتب أخي صبحي الجيار .....
كان تقبيل اليد هذا مهمة صعبة تشعرني بالذل
والمهانة رغم أني كنت أحب والدي ، ولم يكن أبي قاسياً عليّ بالقول أو الضرب في هذه
السن المبكرة ، وفي كل ألازمات ينتهي الأمر بتقبيل يد أبي ، وأقوم بهذه المهمة
الصعبة
وعيوني تدمع في صمت ، وأحيانا كنت ألمح دموع
التأثر في عيون أبي !
إنني حتي الآن انفر جدا من هذه العادة الذميمة
المهينة ، وارفض بشدة أن تحدث أمامي ، وعندما المح بوادر الخنوع علي شخص يصافحني ؛ أسارع بجذب يدي قبل أن يقبّلها ، والعجيب أن بعض البسطاء من
الناس يميلون إلي تقبيل يدي استجلاباً
للبركة لاعتقادهم الساذج بأني إنسان خال
من الذنوب التي غسلها الإيمان والصبر علي الألم !
في مقدمة هؤلاء القوم البسطاء امرأة تُدعي
سيدة ، احترفت غسل الملابس منذ أكثر من
خمسين عاماً ، وكانت تغسل لأسرتي من قبل أن اخرج إلي الوجود ، ورغم أنها أكثر مني
صبراً وكفاحاً وإيمانا ؛ إلا أنها تصرّ علي نيل البركة بتقبيل يدي !!
//////
تعليقي ........................
اختلف مع أخي الحبيب صبحي في كراهيته لعادة
تقبيل يد الأب أو الأم ، واري أنها ( واجب
مقدس ) من الأبناء تجاه آبائهم وأمهاتهم
وليس دليل خنوع أو إذلال إطلاقا !
أنا شخصياً كنت اقبّل يد أبي رحمه الله ويد أمي
رحمها الله يومياً !
وآه لو تدري يا صبحي قيمة ورمز تلك القبلة الحانية
الشافية التي أنقذتني من كوارث الدنيا
والآخرة !
أنت عندما تقبّل يد أبيك أو يد أمك ؛ فأنك
تشكر الله عز وجل علي نعمه التي وهبها إياك !
انظر إلي
الملايين من أطفال الشوارع واليتامى في ملاجئ الأيتام وما أكثرهم في وطننا
العربي (( الكبير )) ؛ تراهم يتمنون أن يقبلوا يد آبائهم وأمهاتهم ويعيشون في رعايتهم بدل التشرد في الشوارع
والمستقبل المجهول !
تقبيل يد أبيك وأمك إنما هو اعترف منك بفضلهم
عليك والتضحية بأرواحهم وأنفسهم من أجلك .
هذا هو اختلافي الوحيد مع أخي الرحل صبحي
الجيار رحمه الله .
و الاختلاف في الرأي لا يفسد للود بيننا قضية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ نكتفي بهذا القدر ـــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة العاشرة قريباً إن شاء الله
،،،،،، إلي اللقاء ،،،،،،
أحمد عبد اللطيف النجار
كاتب عربي
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية