الخميس، 14 يونيو 2018

ملحمة الإنسان والزمان /// 8 //// أخي صبحي الجيار ////////////////////////////////////////////////////////////


 ملحمة الإنسان والزمان
     /////     8   //////
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
            أخي صبحي الجيار  
                     //////  الحلقة الثامنة //////          
                                              بقلم
                     أحمد عبد اللطيف النجار
                                كاتب عربي

                          أمي ......
 تحت هذا العنوان كتب أخي صبحي .....
الحديث عن أمي أكثر إحراجاً  من حديثي عن أبي .
شخصية أمي تختلف كثيراً عن شخصية أبي ، فهو عصبي ثائر ، وهي هادئة  باردة الأعصاب  ، أبي هياب متردد ، وهي جريئة  مندفعة ، أبي حنون  شفوق ، وهي  قاسية   لا تهزها آلام الغير ،ولا تتعاطف  مع المحتاجين إلي الحنان والمساعدة ، ولا ترحم الضعيف اذا تسلطت عليه ، وتتصرف وفق مصلحتها  الخاصة دون مراعاة العدالة الإنسانية ، لكنها إذا فقدت سلطتها  سرعان ما تستكين
وتستسلم  في بساطة وخضوع ، بعكس والدي الذي لا يستسلم للهزيمة ؛ بل يزداد  شراسة وهياجاً ولو كلفته المعركة حياته !
أما في درجة الذكاء فوالدي يتفوق عليها كثيراً ، وإن كانت هي  تتمتع ببراعة ملحوظة في الأعمال اليدوية التي لا تحتاج إلي ابتكار وخلق !
لكن أمي تمتاز عن أبي في بعض الصفات ، فهي أكثر منه مرحاً وتفاؤلاً ، وتتكيف في البيئة التي تتواجد فيها ؛ بعكس أبي الذي كان  يميل إلي الكآبة  والانطواء  والتشاؤم ، أما والدتي فهي لا تحمل هماً ولا تعمل حساباً للغد .
وأسوأ ما يضايقني من والدتي  أنها لا تؤمن بالتضحية من اجل الغير .
والعجيب أن هذه الأم  الجامدة العواطف كانت في حياة أبي زوجة ممتازة ؛ مخلصة ؛ متفائلة ؛ صابرة ؛ مطيعة ، تدلل ابي وتتحمل عصبيته وترضخ لديكتاتوريته ، وهي البادئة بالصلح والاعتذار ، حتى ولو كانت مظلومة !
وكان والدي أحيانا يهينها  بألفاظ جارحة ، فلا ترد شتائمه ، بل  تربت عليه مستعطفة  وتناجيه بألفاظ عاطفية مثل يا حبيبي ، يا قمر ، يا باشا !
ولا تتورع عن تقبيله أمامنا ، وكان والدي خجولاً ، وكان أيضا يحبها ، لكنه كان يخجل من إبداء عاطفته حتي
لأبنائه !
كانت والدتي تخص أبي بأطيب ما فوق المائدة من طعام ، لكنه كان يرفض بشدة ان  يتميز عنا وكان يصر علي أن يكون نصيبه مساوياً لكل واحد منا  من حيث الكم والكيف .
كانت  والدتي ضعيفة أمام الطعام الدسم ، وتتفنن في إعداده ، والعجيب أني دون أبنائها جميعاً قد ورثت عنها صفاتها الشكلية ، نفس الملامح ، الفم الصغير ، والأنف ذا المعطسين  الواسعين ، والعينين السوداوين  المستديرتين الغائرتين  والحاجبين المستقيمين !
ولولا أنني أتبع قيوداً خاصة في طعامي لاكتسبت نفس القوام البدين !
ولم أرث أنا وأخوتي عيون ابي الزرقاء وبشرته الناصعة المشربة بالحمرة ، وذلك حسب نظرية مندل في الوراثة التي أثبتت أن العيون السوداء صفة سائدة والزرقاء صفة متنحية .
أما في الصفات المعنوية ، فأنا وأمي علي  طرفي نقيض تقريباً ، لأن مكونات الشخصية لا تورث ، بل تكتسب من البيئة والثقافة  والأحداث التي تمر بالإنسان .
والواقع أني أحياناً أرثي لها ، وألتمس لها بعض العذر لأنها نشأت محرومة من الحنان طوال عمرها ، فقد ماتت أمها  بعد ولادتها بأيام ، فلم ترضع الحب في طفولتها ، ولم تهدهدها ذراعان حانيتان ، ولم تشعرها زوجة أبيها بالتضحية والإيثار ، وكان أبوها تاجراً سورياً نزح للإسكندرية .
ولما بلغت أمي السادسة عشرة ؛ تقدم لها أبي وانتزعها من عائلتها الصغيرة وأتي بها إلي بيت الأسرة في القاهرة ؛ فذاقت الأمرين  علي أيدي عماتي اللاتي كن اكبر منها سناً !
ثم مات أبوها وأخوها ولم يتعد كل منهما الخامسة والأربعين ، وبهذا أصبحت هي الفرع الوحيد في شجرة عائلتها السورية .
من ميزات أمي أنها كانت تستطيع أن تتحمل مسئولية أولادها وبيتها وتضطلع بأعبائه في يُسر ونشاط ، وهي التي كانت تشترى كل احتياجات الأسرة من ملابس إلي مأكولات إلي مفروشات .
ولا أذكر أن أبي اشترى لنا يوما قميصاً أو حذاء ، بل ان والدتي كانت تشتري له أحيانا بعض قمصانه وجواربه .
وكانت والدتي تتفاعل مع أمزجتنا ، حتي وسائل التسلية التي لا تخرج عن الراديو  أو النزهة علي النيل  وفوق كوبري الملك الصالح وكوبري عباس ، ومسرح الليدو الصيفي .
ولم تكن أمزجتنا تتنافر، فهي تُعجب بأفلام شيرلي تمبل  الطفلة ، ونحن نُغرم بمآسي  يوسف وهبي الفاجعة !
وفي الشتاء كانت تصحبنا إلي سينما الكوزمو أو سينما استديو مصر في وسط البلد .
في طفولتي المبكرة كان أمي  تحكي لنا حكايات عجيبة عن الشاطر حسن وست الحسن  والجمال ، وسكة السلامة وسكة الندامة ، وسكة اللي يروح ما يرجعشي ، وحكايات أخرى ، وجدت فيما بعد أن لها جذوراً في قصص ألف ليلة وليلة ، وكانت أمي تعي هذه الحكايات عن زوجة أبيها ، ولعل ما كانت أمي ترويه لنا هو أول ما طرق سمعي من الأدب القصصي ، الذي أصبح فيما بعد هوايتي ، ثم مهنتي التي احترفها !
وأصبحت الآن اقرأ لوالدتي  بعض إنتاجي ؛ فتستحسن معظمه وتنتقد بعضه بطريقة ساذجة !
وعلي أي حال فهي في هذا أفضل بكثير من والدي ، لأنها علي الأقل تستسيغ إنتاجي ، ولا تبخل عليّ بكلمات الإعجاب  والتشجيع ، بعكس والدي  رحمه الله ، الذي كان يتعفف عن مجر الإطلاع  علي أعمالي الأدبية أو الفنية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  نكتفي بهذا القدر ـــــــــــــــــــــــ
الحلقة التاسعة قريباً إن شاء الله .
                        إلي اللقاء ،،،،،،،،،،،
                                   أحمد عبد اللطيف النجار
                                          كاتب عربي  





0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية