ملحمة الإنسان والزمان /// 8 //// أخي صبحي الجيار ////////////////////////////////////////////////////////////
ملحمة الإنسان والزمان
///// 8 //////
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخي صبحي الجيار
////// الحلقة الثامنة //////
بقلم
أحمد عبد اللطيف النجار
كاتب عربي
أمي ......
تحت
هذا العنوان كتب أخي صبحي .....
الحديث عن أمي أكثر إحراجاً من حديثي عن أبي .
شخصية أمي تختلف كثيراً عن شخصية أبي ، فهو
عصبي ثائر ، وهي هادئة باردة الأعصاب ، أبي هياب متردد ، وهي جريئة مندفعة ، أبي حنون شفوق ، وهي
قاسية لا تهزها آلام الغير ،ولا
تتعاطف مع المحتاجين إلي الحنان والمساعدة
، ولا ترحم الضعيف اذا تسلطت عليه ، وتتصرف وفق مصلحتها الخاصة دون مراعاة العدالة الإنسانية ، لكنها إذا
فقدت سلطتها سرعان ما تستكين
وتستسلم
في بساطة وخضوع ، بعكس والدي الذي لا يستسلم للهزيمة ؛ بل يزداد شراسة وهياجاً ولو كلفته المعركة حياته !
أما في درجة الذكاء فوالدي يتفوق عليها
كثيراً ، وإن كانت هي تتمتع ببراعة ملحوظة
في الأعمال اليدوية التي لا تحتاج إلي ابتكار وخلق !
لكن أمي تمتاز عن أبي في بعض الصفات ، فهي
أكثر منه مرحاً وتفاؤلاً ، وتتكيف في البيئة التي تتواجد فيها ؛ بعكس أبي الذي
كان يميل إلي الكآبة والانطواء والتشاؤم ، أما والدتي فهي لا تحمل هماً ولا
تعمل حساباً للغد .
وأسوأ ما يضايقني من والدتي أنها لا تؤمن بالتضحية من اجل الغير .
والعجيب أن هذه الأم الجامدة العواطف كانت في حياة أبي زوجة ممتازة
؛ مخلصة ؛ متفائلة ؛ صابرة ؛ مطيعة ، تدلل ابي وتتحمل عصبيته وترضخ لديكتاتوريته ،
وهي البادئة بالصلح والاعتذار ، حتى ولو كانت مظلومة !
وكان والدي أحيانا يهينها بألفاظ جارحة ، فلا ترد شتائمه ، بل تربت عليه مستعطفة وتناجيه بألفاظ عاطفية مثل يا حبيبي ، يا قمر ،
يا باشا !
ولا تتورع عن تقبيله أمامنا ، وكان والدي
خجولاً ، وكان أيضا يحبها ، لكنه كان يخجل من إبداء عاطفته حتي
لأبنائه !
كانت والدتي تخص أبي بأطيب ما فوق المائدة من
طعام ، لكنه كان يرفض بشدة ان يتميز عنا
وكان يصر علي أن يكون نصيبه مساوياً لكل واحد منا
من حيث الكم والكيف .
كانت
والدتي ضعيفة أمام الطعام الدسم ، وتتفنن في إعداده ، والعجيب أني دون
أبنائها جميعاً قد ورثت عنها صفاتها الشكلية ، نفس الملامح ، الفم الصغير ، والأنف
ذا المعطسين الواسعين ، والعينين
السوداوين المستديرتين الغائرتين والحاجبين المستقيمين !
ولولا أنني أتبع قيوداً خاصة في طعامي
لاكتسبت نفس القوام البدين !
ولم أرث أنا وأخوتي عيون ابي الزرقاء وبشرته
الناصعة المشربة بالحمرة ، وذلك حسب نظرية مندل في الوراثة التي أثبتت أن العيون
السوداء صفة سائدة والزرقاء صفة متنحية .
أما في الصفات المعنوية ، فأنا وأمي علي طرفي نقيض تقريباً ، لأن مكونات الشخصية لا
تورث ، بل تكتسب من البيئة والثقافة والأحداث
التي تمر بالإنسان .
والواقع أني أحياناً أرثي لها ، وألتمس لها
بعض العذر لأنها نشأت محرومة من الحنان طوال عمرها ، فقد ماتت أمها بعد ولادتها بأيام ، فلم ترضع الحب في طفولتها
، ولم تهدهدها ذراعان حانيتان ، ولم تشعرها زوجة أبيها بالتضحية والإيثار ، وكان أبوها
تاجراً سورياً نزح للإسكندرية .
ولما بلغت أمي السادسة عشرة ؛ تقدم لها أبي
وانتزعها من عائلتها الصغيرة وأتي بها إلي بيت الأسرة في القاهرة ؛ فذاقت
الأمرين علي أيدي عماتي اللاتي كن اكبر
منها سناً !
ثم مات أبوها وأخوها ولم يتعد كل منهما
الخامسة والأربعين ، وبهذا أصبحت هي الفرع الوحيد في شجرة عائلتها السورية .
من ميزات أمي أنها كانت تستطيع أن تتحمل
مسئولية أولادها وبيتها وتضطلع بأعبائه في يُسر ونشاط ، وهي التي كانت تشترى كل
احتياجات الأسرة من ملابس إلي مأكولات إلي مفروشات .
ولا أذكر أن أبي اشترى لنا يوما قميصاً أو
حذاء ، بل ان والدتي كانت تشتري له أحيانا بعض قمصانه وجواربه .
وكانت والدتي تتفاعل مع أمزجتنا ، حتي وسائل
التسلية التي لا تخرج عن الراديو أو
النزهة علي النيل وفوق كوبري الملك الصالح
وكوبري عباس ، ومسرح الليدو الصيفي .
ولم تكن أمزجتنا تتنافر، فهي تُعجب بأفلام
شيرلي تمبل الطفلة ، ونحن نُغرم بمآسي يوسف وهبي الفاجعة !
وفي الشتاء كانت تصحبنا إلي سينما الكوزمو أو
سينما استديو مصر في وسط البلد .
في طفولتي المبكرة كان أمي تحكي لنا حكايات عجيبة عن الشاطر حسن وست
الحسن والجمال ، وسكة السلامة وسكة
الندامة ، وسكة اللي يروح ما يرجعشي ، وحكايات أخرى ، وجدت فيما بعد أن لها جذوراً
في قصص ألف ليلة وليلة ، وكانت أمي تعي هذه الحكايات عن زوجة أبيها ، ولعل ما كانت
أمي ترويه لنا هو أول ما طرق سمعي من الأدب القصصي ، الذي أصبح فيما بعد هوايتي ،
ثم مهنتي التي احترفها !
وأصبحت الآن اقرأ لوالدتي بعض إنتاجي ؛ فتستحسن معظمه وتنتقد بعضه بطريقة
ساذجة !
وعلي أي حال فهي في هذا أفضل بكثير من والدي
، لأنها علي الأقل تستسيغ إنتاجي ، ولا تبخل عليّ بكلمات الإعجاب والتشجيع ، بعكس والدي رحمه الله ، الذي كان يتعفف عن مجر الإطلاع علي أعمالي الأدبية أو الفنية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نكتفي بهذا القدر ـــــــــــــــــــــــ
الحلقة التاسعة قريباً إن شاء الله .
إلي اللقاء ،،،،،،،،،،،
أحمد عبد
اللطيف النجار
كاتب
عربي
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية