سرديات قصيرة //////////////// الساحر والمسحور /////////////////////////////////////
سرديات قصيرة
ـــــــــــــــــــــ
الساحر والمسحور !
بقلم
أحمد عبد اللطيف النجار
كاتب عربي
التعاسة لا تجمع بين
الناس وإنما تفرق بينهم !
تلك قاعدة لها
استثناءات كثيرة ، فأحياناً تقرب الابتلاءات
بين بني البشر وتجعلهم في شوق ولهفة
للعبور فوق جسور التعاسة والحزن والألم
المانع للأمان والسعادة وسلام النفس .
قد يتعلق الإنسان
منا بأمل كاذب ومخادع في حب شيء ما ، أي
شيء ، ثم يكتشف بعد فوات الأوان أنه كان يجرى
وراء السراب والآلام والأحزان .
عبد الستار طبيب
شاب حصل علي شهادته بعد كفاح مرير ، حيث أنه ينتمي لأسرة فقيرة في
محافظة الشرقية بدلتا مصر .
عندما تسلم عمله
كطبيب مقيم في احدي المستشفيات الحكومية ، التقط أنفاسه وأدرك أنه بدأ يمشي في الطريق الصحيح .
بعد سنوات قليلة من
عمله وجد نفسه يقع في هوى زميلته هانم ، تلك الطبيبة الشابة الحسناء المغرورة بمالها وجمالها ، ولكنه لم
يجد منها غير
الصدّ والجفاء في المعاملة كزملاء في مهنة واحدة ولأن هانم من النوع المتسلق من النساء ، فدائماً ما كانت تكلف عبد
الستار بعمل بعض الأـبحاث لها وعندما ينتهي من مهمته تشكره بابتسامة ، ثم تعود
لسابق عهدها معه من التحفظ والجمود !
استمرت العلاقة
بينهم علي هذا النحو أكثر من عامين ، والرجل يحترق شوقاً كي يظفر منها بلفتة
عاطفية وهي تواصل جمودها معه إلا إذا احتاجت إلي تكليفه بخدمة أخرى !
ذات يوم تجرأ عبد
الستار وفاتحها برغبته الشديدة في
الارتباط بها ، فلم يلق منها غير الصد قائلة له : أنا لا أفكر فيك علي الإطلاق !
كانت الصدمة هائلة
علي نفسية الرجل ، وحاول بعد ذلك تجنب رؤيتها بقدر الامكان ، ونما إلي علمه بعد
فترة قصيرة أنها تمت خطبتها لشاب ثري من أسرة كبيرة ، تزوجته وسافرت معه لقضاء شهر
العسل في أوروبا .
عندما عادت للعمل
ازدادت ترقعاً وتكبراً علي الجميع !
خلال تلك الفترة
حاول عبد الستار إقناع نفسه بالتفكير في
غيرها ، وعرضت عليه أمه الكثيرات من فتيات الأقارب ووافق بالفعل علي خطبة إحداهن .
ذات يوم ذهب
لعمله فوجد هانم تركن سيارتها الفارهة
وتنزل منها ، ووجدها تناديه بإصرار وتطلب
منه الاقتراب، نظر إليها عبد الستار طويلاً ثم سألته فجأة : أما زلت تحبني ؟!
تلعثم عبد الستار
ولم يعرف بماذا يجيب !
دعته هانم إلي ركوب
السيارة ووجد نفسه يستجيب لها
كالمسحور تماماً ، وفي كازينو علي
النيل روت له أنها علي وشك الانفصال عن زوجها
لأنها تفتقد السعادة معه ، وأنها تفضل أن تتزوج من شاب فقير
يحبها من أن تتزوج من رجل غني لا يحبها
!
أجابها صاحبنا علي
الفور أنه ما زال يحبها ويتمني زواجها !!
نسي الرجل انه مرتبط
وخاطب لفتاة مسكينة لا ذنب لها !
وأن هانم لم تحفل
به ولا بمشاعره طوال السنين الماضية !
اتفق العاشقان علي كل شيء
وقام عبد الستار بفسخ خطبته بقريبته بمجرد علمه أن هانم تم طلاقها من زوجها
بالفعل بعد أن استحوذت علي كل ثروته التي
تقدر بالملايين ، ورغم تحذير أصدقاؤه له
من الزواج منها ، فهي علي حد قولهم غول كبير !
تم الزواج بالفعل في
شقة هانم الواسعة التي استولت عليها من زوجها السابق ، ومنذ البداية فوجيء عبد الستار بزوجته تشعره بأنها قائدة السفينة ،
وأن الزوج المحب هو الزوج المطيع الذي لا يعترض علي أي شيء ولا يرفض أي طلب لزوجته !
كان أول فرمان
أصدرته هانم هو حرمان أم زوجها وإخوته
وجميع أهله من دخول بيتها !
وقطع أي صلة بهم ،
واستجاب لها عبد الستار علي الفور دون نقاش .
مر علي الزوجين
سنوات دون إنجاب لأن هانم رأت تأجيل الحمل إلي مرحلة لاحقة .
وعندما اتيحت فرصة
السفر لعبد الستار شجعته علي أن تلحق به فيما بعد ، وسافر الرجل ولم تذهب إ‘ليه هانم إلا بعد عدة شهور وهناك في بلاد الغربة صارحته بأنه من الأفضل أن يبقي في عمله بالخارج لكي
يستطيع ادخار مبلغ يصلح كبداية لمشروع تجارى يؤمن مستقبلهم في مصر .
وافقها الرجل علي
رأيها ، وبدأ يرسل إليها ( كل ) مدخراته لكي تشتري قطعة أرض لإقامة المشروع
التجاري .
أمضي عبد الستار في
الغربة أكثر من عشر سنوات لا يري زوجته
خلالها إلا في
الأجازات !
وأخيراً عاد إلي
وطنه وعمله ، وبدأ يستعد لمشروعه الذي وضع فيه كل مدخراته ، وكانت الصدمة ألكبري
أن وجد كل شيء باسم زوجته ، وعندما واجهها بذلك
وأنه شريك معها في كل شيء ؛ أنكرت بشدة
قائلة الفكرة كانت فكرتي وأنا الذي شقيت لإتمام كل لوازم المشروع الطبي !
تصاعدت الأحداث
المؤسفة بين الزوجين حتي انتهت بالطلاق بعد أن حصلت هانم من عبد الستار الزوج
المخدوع علي كل ما يملك !!
لقد أعادت معه نفس
السيناريو الذي أخرجته مع زوجها السابق !!
عاش عبد الستار
يائساً محبطاً ، فلم يكن يتصور أن تغدر به هانم بعد كل هذا الحب !
تذكر ما فعله
بخطيبته المسكينة التي تركها من أجل هانم ، وكيف كانت تبكي بحرقة لأنه تخلي عنها .
أدرك ساعتها أن ذلك
هو انتقام السماء منه لأنه ظلم فتاة لا ذنب
لها ولا جريرة !
قرر أن يسأل عن
خطيبته ليطمئن عليها ؛ فعلم أنها تزوجت من رجل فاضل وأن الله رزقها البنين والبنات .
بعد فترة من اليأس والإحباط
ومراجعة النفس قرر عبد الستار أن ينهض من
جديد .
لقد أدرك الرجل الدرس متأخراً ، لكنه استوعبه وأيقن
أن علي الإنسان أن يتحكم في عواطفه وغرائزه
وأهوائه ولا ينساق وراءها كما البعير أو كالمسحور الذي يطيع أوامر وطلبات
ساحره !
هو لم يخسر ماله
وحده ، وإنما خسر ما هو أهم منه بكثير !
خسر روحه وهويته
واعتزازه بكرامته وكفاحه الشريف في الحياة
، كما خسر أهله وأبويه وإخوته وذويه، حين استسلم بلا أي مقاومة
لأسلوب الحياة الجاف
الذي فرضته عليه زوجته الغولة السابقة هانم ، فهي قد اقتلعته من جذوره العائلية
وكأنها حكمت عليه بالنفي الأبدي عم عالمه الذي نشأ فيه ، وقومه الذين عاش بينهم
أجمل سنوات عمره !
كان القرار الثاني
لعبد الستار هو العودة لأحضان أهله يلتمس
منهم العفو والغفران علي قطيعته لهم ، وأنه نادم أشد الندم ، ويحمد الله أن عاد
إلي وعيه ورشده فيل فوات الأوان !
تلك هي الحياة جامعة
كبري نتعلم منها الكثير والكثير ، وأهم درس نتعلمه هو أن الثقة في أي إنسان عجز ،
ثقتك تكون بالله فقط ويقينك يكون في الله
فقط واعتمادك علي الله فقط .
لا تدع غريزتك تقودك
إلي التهلكة ، لا تدع قلبك يتحكم فيه ويقودك
كما البعير تماماً !
كن أنت قائد نفسك ،
كن ذو عزيمة قوية وعقل سليم .
دع نفسك اللوامة
دائماً وأبداً حية داخل روحك ، اجعل منها ترمومتر لكل أفعالك .
إذا أخطأت لا تتردد
في الاعتذار وتصحيح أخطاؤك في حق نفسك وفي
حق الآخرين !
اجعل نبراسك في
الحياة ثلاثة كلمات تنير طريقك ( خير الخطاءين التوابين ) .. الكثيرين يركبهم العناد والتكبر عن التوبة والاعتذار !
حسناً دعهم وشأنهم ،
لا تكن منهم ، أنت بعقلك الراجح وإيمانك القوي يمكنك التغلب علي ( كل ) صعاب
الحياة !
أنت بالعقل لا
بالجسم إنسان !!
أنت بالعقل لا
بالجسم إنسان !!!!
أحمد
عبد اللطيف النجار
كاتب عربي
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية