سرديات قصيرة ///// كنز في بيتي !! /////////////////////////////////////////////////////////
سرديات قصيرة
ــــــــــــــــــــــــــ
كنز في بيتي !
بقلم
أحمد عبد اللطيف النجار
أديب
عربي
يثيرني ويزيدني حنقا أولئك الأزواج الذين يتبطرون علي نعمة الله عليهم بالزوجة الصالحة والذرية
الرائعة من الإناث بحجة أنهم يريدون ذرية
من الذكور كي تحمل أسمائهم وتخلّد ذكراهم !
أي تخليد يقصدون وأي ذكرى ؟!!
اسألوا صدام حسين هل دامت ذكراه التعيسة بأولاده الذكور ؟!!
اسألوا حافظ الأسد هل دامت ذكراه الدامية بأولاده
الذكور وآخرهم دراكولا القرن الحادي والعشرين بشار الذي يقتل شعبه بدم بارد ؟!!
اسألوا علي عبد الله صالح ( شاويش اليمن ) هل
دامت ذكراه وخيانته لوطنه مع الكلاب الحوثيين ؟!!
اسألوا راسبوتين العرب ( معمر القذافي ) هل
دامت ذكراه المشينة بأولاده الذكور البؤساء ؟!!
ألا يعلم هؤلاء الأزواج الموهومين أن عمل الإنسان
فقط هو الباقي وهو الذي يخلد ذكراه وهو أيضا الذي يصاحبه الي قبره !!
متي يستفيق بني آدم من كبريائه وعظمته وهو الذي نزل من مجرى البول
مرتين ؟!
لماذا ما زلنا ونحن في القرن الحادى والعشرين
؛ نعيش في جاهلية غبية حمقاء ترحب بولادة الذكر ، وتقيم المآتم عند ولادة الأنثى
؟!!
وداد طبيبة شابة ؛ جاءتني حائرة ؛ مشتتة الذهن لا تدرى ماذا
تفعل ؟!
تقول وداد : أنا طبيبة في الأربعين من عمرى ،
تمتعت بحياة أسرية مستقرة بين أب يشغل مركز مرموق في المجتمع وأمي وأخوتي .
التقيت وانا في سنة الامتياز بزميلي مختار ؛
طبيب شاب وكان وقتها مدرس مساعد ، وجدت مني ميلا اليه وارتبطت به وتزوجنا .
طلب مني زوجي مختار تأجيل دراستي العليا لأنه يرغبني بجواره عند سفره لنيل درجة
الدكتوراه ؛ فاستجبت له وسافرت معه وعشنا في الغربة أجمل
سنوات عمري ، فكنت له كل شيء الزوجة والسكرتيرة
والمساعدة ، بل وعملت أيضا لأساعده علي ظروف الحياة الصعبة في الغربة .
أنجبت طفلتي الأولي زهرة ، فبدأ مختار مع
ولادتها يتغير بعض الشيء وأصبح يتسم
بالحدة وجرح المشاعر ، وفسرت ذلك وقتها بضغوط الغربة وانشغاله بإنهاء رسالة الدكتوراه .
عدنا الي مصر ومختار يعدني بأن يعوضني عن معاملته الجافة لي في
الغربة وأن نعيش معا حياة رغدة نتمتع خلالها بجني ثمار الشقاء في الغربة .
لكن ما حدث كان العكس تماما ، فقد بدأ زوجي
العزيز يشعر بتميزه عني بدرجة الدكتوراه
التي حصل عليها ، فحفزني ذلك لأن
ابدأ دراستي العليا وحصلت علي درجة الماجستير ، وبعدها مباشرة رزقني المولي عز
وجل بطفلتي الثانية أزهار ، وفوجئت بعدم
مبادرة أي فرد في عائلة زوجي بزيارتي للتهنئة بالمولود ، وبدلاً من ذلك اتصلت بي آخته
ترثي لي حظ شقيقها الذي لا يطيق إنجاب الإناث !!
عندما عاد مختار من عمله شكوت له أخته فانهال
عليّ سباً وتقريعا واتهمني بمحاولة التفريق بينه وبين عائلته .
مضت أيامنا وأنا ابذل قصارى جهدي لإرضاء زوجي لأنني أحبه رغم كل عيوبه وهو يزداد عصبية يوما بعد يوم !
شاء الله عز وجل ان احمل للمرة الثالثة وقررت هذه المرة ألا أتعجل معرفة نوع الجنين
وأن اترك ذلك لموعده الطبيعي ، وحدثت مظاهر وعلامات اعتقدنا علي أثرها ان المولود ذكر هذه المرة ، فكان زوجي يذوب معي رقة وعذوبة
، وعشت أجمل فترات حملي إلي إن جاء أوان الولادة فإذا بها طفلتي الثالثة زهور !!
وقتها عرفت علي الفور ان طبول الحرب ستدق أبواب
حياتنا الزوجية ؛ وحدث ما توقعته بالفعل
وبدأ مختار يفتعل المشاكل معي ، فامتنع عن زيارة أختي مهنئا حين أنجبت طفلا ، وبدأ يثير المشاكل مع
اخي الأكبر ثم مع أمي ثم مع أبي !
عشت فترة حالكة السواد من حياتي ، حائرة بين
الجميع ، أحاول ترضيتهم والتقريب بين وجهات النظر للحفاظ علي سفينة حياتي الزوجية ، وحدث ان مرض والدا
زوجي ؛ فرعيتهما حق الرعاية لدرجة إن أباه دعا لي دعاء صادق قبل وفاته ، واعتقدت
أن مختار سوف يقدر ذلك ويري الجانب
المضيء في حياته وهو ان له زوجة تتمني
رضاه ، لكنه بكل حسرة وأسف لم يفعل وإنما
بدأ
يشكو
مني للجميع شكاوى كيدية ويتهمني بإساءة
معاملته ويتعمد تشويه صورتي !
بعد ان فضحني زوجي الطبيب المتعلم في كل مكان
؛ سلمت أمري فيه لله واحتسبت كل ما فعلته من اجله عند الله رب العالمين .
لم يمض وقت طويل حتي علمت أن زوجي ( العزيز )
قد تزوج
سيدة تعمل ممرضة باحدى المستشفيات
!!
ساعتها طلبت منه الطلاق وقلت له حينها أنه لن
يمر وقت طويل حتي يدرك حجم النعمة التي كانت بين يديه وتبطر عليها !
احتضنت بناتي الثلاث ( زهرة وأزهار وزهور )
وبدأت أواجه حياتي وأقداري .
بعد عامين
اتصلت اخت زوجي السابق ببناتي وبشرتهن بشماتة بأن زوجة أبيهن حامل في ولد ذكر ، وانه قريبا سوف يصبح لهن أخ ذكر !
وطلبت منهن
إبلاغي بالخبر السعيد كي استعد له
بإعداد المُغات واللفف للمولود .
أبلغتني بناتي بالخبر السعيد وما قالته عمتهن
.
ساعتها شعرت بغصة في حلقي وضيق لنغمة الشماتة الواضحة في حديثها ورفعت رأسي للسماء باكية !
لم يقتصر الامر علي ذلك ؛ فكان زوجي السابق
يؤكد علي
بناته حين يأتي لزيارتهن ؛ أن يحضروا لحظة
ميلاد أخيهن لرؤيته عند الولادة ، وذهبن
بناتي بالفعل للمستشفي يوم الولادة ، وفي
المساء اتصل بي شقيق زوجي يطلب مني التوجه للمستشفي لاصطحاب بناتي للبيت .
ذهبت للمستشفي فإذا بالجميع صامتين ؛ واجمين ينظرون اليّ
نظرات غريبة !
أخذت بناتي في صمت وانصرفت وركبنا السيارة عائدين للبيت ، وفي الطريق سألتني ابنتي ألكبري
: يعني ايه طفل مغولي يا ماما ؟!
هل يعني ذلك انه ليس مصري ؟
ساعتها توقفت بالسيارة علي الفور وأدركت سر
الصمت الرهيب والنظرات الزائغة من أهل
زوجي السابق حين دخلت عليهم في ممر
المستشفي !
بعد ان تمالكت نفسي عدت للبيت اتعجب من
تصاريف القدر وعدالة السماء .
بعد ذلك توالت الأحداث عاصفة ومتلاحقة ، فقد طلبت زوجة طليقي السابق منه أن
يكتب كل ممتلكاته باسم مولودها المنغولي
نظرا لظروفه ولأنه أحوج من أخواته البنات للمال ، وراحت تضغط عليه بطلباتها ؛ فلم يتحمل كل هذه الضغوط والصدمات
وارتفع ضغط دمه بشدة
وأصيب بجلطة
في المخ وغيبوبة متواصلة !!
ساعتها دعوت الله أن يفيق والتقي به لأعاتبه عما فعل بي وببناته الأبرياء ثم أـسامحه ؛ فلم يتسع العمر
للعتاب ومات مختار ، وتتابعت الإحداث بعد
وفاته أكثر سخونة وواصلت الممرضة الشابة
زوجة طليقي الراحل افتعال المشاكل
مع أهله وأعلنت انها لا تريد رعاية هذا الطفل المنغولي المسكين !!
بل وراحت تبرر ظروف ولادة طكفلها هكذا منغولي
بسبب كثرة تعرض أبيه للأشعة بحكم طبيعة عمله ، مع أن الله قد حفظ زهراته الثلاث من
هذا الأثر !
وراحت تقول
ايضا أن زوجها كان مريضا ولا يقوم بواجباته الزوجية كما ينبغي !
وأنها تريد ان تتزوج مرة أخري!
ساعتها تذكرت ما فعله معي مختار سامحه الله
حين أراد تشويه صورتي وإذاعة الافتراءات عليّ ، وازددت تعجباً !!
والله يا أخي لقد آمنت حقاً وصدقاً أن الله
يمهل ولا يهمل .
والآن أعيش في حيرة كبيرة من أمري ، فقد
تزوجت الممرضة الشابة بالفعل وأصبح طفلها المنغولي المسكين مشتتا في إقامته في
بيوت عماته وأعمامه ، وحين يأتي لقضاء يوم او يومين مع أخواته البنات أجده في حالة
يُرثي لها لا، فنهتم به وبرعايته حتي تعلقت به البنات كثيراً وهن الآن يطلبن مني
أن بعيش معهن علي الدوام ، وأمي تقول لي أنه كنز يريد الله سبحانه وتعالي أن يفتحه
في بيتي وتحذرني من رفض عطية الله ...،، فماذا أفعل؟
//// بالطبع لا ترفضي عطية الرحمن ...
آه يا أختاه لو تعلمين مقدار الثواب الذي
ينتظرك برعايتك لهذا الطفل المسكين والذي
هو في النهاية أخو بناتك .
مأساة زوجك السابق خير دليل علي عاقبة الظالمين ومن يتبطر علي النعمة ولا
يرضي بقضاء الله وعطائه !
السؤال الذي يحيرني ما هذا الذي استدعي من
طليقك الراحل كل هذا السخط والتمرد علي أقداره ؟
هل إنجاب ثلاث زهرات جميلات ينشرن من حولهن
جو من الحب والبراءة والعطف والحنان ، هل ذلك ابتلاء يبرر له خيانة عهد الود
والصفاء مع زوجته المخلصة؟
هل ذلك يبرر له الارتباط بأخرى كي ينجب منها
الولد وهو الطبيب الذي يعرف جيدا أن نوع
الجنين يحدده الأب بأكثر مما تفعل الأم ؟!
لو كان قد صبر ورضي عن حياته وعطايا الرحمن له ربما كان قد
أنجبه من زوجته أم بناته ، لكنه الإنسان هكذا خُلق عجولا !
القدر كما يقول لنا ابن عطاء الله لا يجري حسب
تدبيرك
وإنما أكثر ما يكون ما لا تدبر وأقل ما يكون
ما أنت له مدبر !
شاءت إرادة الله أن يكون الولد الذي يتمناه
قرة عين له هو نفسه مأساته وسبب تعاسته ، ذلك أنه جحد نعمة ربه عليه وافترى بالباطل علي زوجته وبناته الأبرياء !
بالنسبة لهذا الطفل المنغولي المسكين هو في
الواقع مسئولية أمه قبل أي مخلوق آخر ، وبما أنها
لا تمت للإنسانية بصلة ، قلبها قاسي علي فلذة كبدها ، فأنه يصبح من بعدها
مسئولية أعمامه وعماته الذين لم يحاولوا إقناع
شقيقهم الطبيب أن يكون قنوعا ويرضي بحياته وبناته
وزوجته المخلصة ، بل شجعوه علي ظلم نفسه
وأسرته !
بالطبع هؤلاء الأعمام والعمات غلاظ
القلوب لا خير يرجي منهم ، وبالتالي فأن
الملاذ الأخير لذلك الطفل البرئ هو أختنا
الفاضلة وداد وبناتها .
يا بشراها بهذا الكنز الثمين ، وما أعظم
ثوابها عند علام الغيوب ، فالمولي جل في علاه يريد أن يرد لها اعتبارها وكرامتها
المهدرة بذلك الطفل المنغولي المسكين ،
وقد اقتربت انا شخصيا بحكم عملي الطبي
المهني من هؤلاء الأطفال المساكين من ذوى
الاحتياجات الخاصة وعشت بينهم أجمل وأطهر
سنوات عمري القصير بإذن الله .
كنت أشعر وأنا بينهم بأحاسيس الملائكة وكانت
نظراتهم البريئة تفجر كل طاقات الإبداع لدي !
هو إذن نصر من الله وفتح قريب وتكريم من الحق
سبحانه وتعالي لأختنا وداد ؛ يشهد علي
طيبة قلبها وطهارته وكرم أخلاقها وحسن رعايتها لزهراتها الثلاث وتنشئتها لهن علي
الرحمة والعطف والقيم النبيلة ؛ بدليل عطفهن
علي أخيهن المسكين وتحمسهن لضمه إليهن
وحرصهن علي الرفق به وصلة رحمه ، وذلك إحساس ملائكي رائع لا يشعر به إلا من أتي
الله بقلب سليم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحمد عبد اللطيف النجار
أديب عربي
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية