قصص من واقع
الحياة
حيــــــاة مُزيّفة !
بقلم
أحمد عبد
اللطيف النجار
أديب ومفكر عربي
$$$$$ ليست مجرد قصة $$$$$
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حيا تنا الدنيا التى نحياها قصير ة مهما طال العمر وامتد
الأجل ، فلماذا نعيشها
إذن فى مبارزة الخالق بالمعاصى والذنوب والآثام ؟ لماذا لانقتدى بهدى
رسولنا
صلى الله عليه وسلم فى وصيته الكريمة: إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، و
إعمل لآخرتك كانك تموت غداً !
لماذا نحياها حياة مزيّفة ،خادعة نخدع بها نفوسنا الغارقة فى الوحل
والضلال
والأوهام؟
أتعجب كثيراً لحال هؤلاء الفتيات المتبرجات ، العاريات فى خُلقهن وسلوكهن
الشاذ الغريب ! أليس لهن أهل يرشدونهن إلى الصواب لصيانة النفس والروح والبدن؟ أين
دور الأب الذى هو راع ٍ ومسئول عن رعيته ؟!أين دور الام المربية
المرشدة لأولادها ؟ هل ضاعت
منــّا الفضيلة والقيم الإسلامية النبيلة إلى هذا الحد؟ ! هل أصبحنا عبيداً
للشهوات الدنيوية وأهواء النفس ونزواتها؟!
هل نجح الإستعمار الغربى الجديد فى خطته الخبيثة لمسح هوية الأمة
الإسلامية بأسلحته التكنولوجية المتطورة من نت ودِش (بكسر الدال)؟!
هذا ما رأيته وعاصرت أحداثه فى مأساة الفتاة البائسة نوال التى جاءتنى
باكية
نادمة،حزينة قائلة:
حين كنت طالبة بالثانوية العامه ،كنت بالنسبة لأبى الإبنة المدللة التى
يلبى كل مطالبها ،وكنت أرتدى ما يحلو لى من ملابس ضيقة أو قصيرة أو شبه عارية!
معتقدة أنى ألتزم بخطوط الموضة،وأنافس فى ذلك صديقاتى وزميلاتى فى حى
المعادى الراقى بالقاهرة، مع العلم أننا ننتمى فى الأصل لأسرة عريقة فى صعيد مصر
لم تنقطع صلتنا بها رغم بُعد المسافة .
ذات يوم جاء أحد أبناء عمومتى إلى القاهرة للإلتحاق بإحدى الكليات ،وراح
يتردد علينا فى البيت ،وحدث بيننا تقارب عائلى حميم فكنا نجده فى كل موقف
رجلاً شهماً وأكبر من سنه ، فأعُجبت به لكنه كان إعجاب بنموذج غريب علىّ
غير مألوف فى المجتمع الذى أعيش فيه ،وصارحنى صالح ابن عمى بإعجابه بى وبدأ يبدى
ملاحظاته على ملابسى ومكياجى الصارخ ويطالبنى بالإلتزام وأداء
الصلاة ،فلم أعيره أى إهتمام وليتنى فعلت ،فقد ركبنى العناد معه ،ومضت
السنوات وتخرّج صالح من جامعته وتقدّم لأبى على الفور يطلب يدى، وبغير تردد رفضته
بإصرار على الرغم من ترحيب الأسرة به!!
وأكدت لأسرتى أننى إذا فكرت فى الإرتباط فلن أرتبط إلا بطبيب أو مهندس
يضمن لى نفس مستوى الحياة التى أحياها ، فإضطر أبى فى النهاية إلى الإعتذار لصالح
ابن أخيه ،وتفّهم صالح الموقف وإنسحب نهائياً من حياتنا !
ومرت الأيام حتى جاء فتى أحلامى الذى أردته ،ذلك هو ثروت الطبيب ،الشاب
القاهرى ،وكان ثروت (عصرى متفتح) فلم يطالبنى بعدم وضع الماكياج أو إرتداء الملابس
القصيرة،بل ترك لى حريتى كاملة ، وسعدت بخطيبى سعادة كبيرة ،وبدأنا نخرج معاً إلى
النادى وصالات (الديسكو) !!
كان كل شىء من حولنا جميل وواعد بالسعادة ،ومر عام كامل على الخطبة ،وذات
يوم خلال عودتى للبيت بمفردى من النادى تعّرضت لمحاولة إغتصاب فى
أحد شوارع المعادى المظلمة ،وشاءت إرادة الله أن تنقذنى إحدى دوريات
المرور الليلى بالحى فى الوقت المناسب! وتركت الحادثة أبشع الأثر فى نفسى وأعصابى
، كانت التجربة بشعة ورهيبة ،خاصة بعد أن عرف أهل الحى بتعرضى لمحاولة إغتصاب فى
أحد شوارع المعادى الهادئة ،فإذا بهم كلهم ينهالون علىّ لوماً وتقريعاً وعتاباً
لما أنا عليه من عرى فاضح ، قائلين أن هذا العرى الفاضح هو الذى أغرى الذئاب
البشرية الجائعة ،وأنهم تتبعونى دون غيرى من الفتيات لهذا السبب !!
وإزدادت حالتى النفسية سوءاً فأدخلنى أبى مصحة للعلاج النفسى لمدة شهر
،لاحظت خلاله إختفاء خطيبى ثروت نهائياً من حياتى ، وفوجئت بأبى ذات يوم يبلغنى أن خطيبى فسخ الخطبة وحجته أنه لايستطيع
الإرتباط بإنسانة سمعتها سيئة فى الحى كله!!
كانت صدمة قاسية لى ،وحاولت
التماسك أمام الجميع وألا أظهر بصورة الفتاة البائسة المسكينة التى تخلى عنها
الجميع ،وتذكرت وأنا فى غمرة أحزانى صالح ابن عمى ،وسألت نفسى هل لو كنت قبلت به
زوجاً ،هل كان سيفعل معى مثلما فعل ذلك الطبيب ثروت؟!!
وبدأت أراجع حياتى الزائفة الماضية وأفكارى المتحررة للإستمتاع بالحيــــــــاة
ومرت الأيام وبعد فترة جاء صالح ابن عمى إلى بيتنا بعد سماعه بالحادث وطلب
من أبى يدى مرة أخرى ،وقال أنه يفعل ذلك ليس إشفاقاً علىّ ولكن لأنه يحبنى
حقاً ويرى فىّ إنسانة طيبة يستطيع أن يغّير بعض مفاهيمها كى ترى الحياة بصورة
سليمة ،ويصبح لحياتها معنى وهدف!
ووافقت عليه فوراً بعد الذى عانيته من غدر خطيبى السابق! فقد تعلمت الكثير
من محنة محاولة الإغتصاب ، وتمت ا لخطبة والزواج ورحلت مع زوجى صالح
إلى مدينه الصغيرة فى أقصى جنوب الصعيد .
وبدأت حياتي الزوجية فى مجتمع صغير محافظ ،هادىء ،لم أتخيل يوماً اننى
يمكن أن أعيش فيه ،وودعت الملابس القصيرة شبه العارية!والماكياج الصارخ إلى الأبد
،ولم أشعر أنى فقدت شيئاً ذات قيمة ،بل على العكس شعرت اننى كسبت إحترامى لنفسى
وإحترام الآخرين لى ، والأهم من ذلك اننى كسبت رضا ربى عنى فالتزمت بإرتداء الحجاب
الإسلامى عن يقين وثقة وإقتناع !
ولإبنتى نـــــــــــــــــــــــــــــــــــوال أقول:
الكثيرات يا بنيتى هن من يحتجن إلى مراجعة حياتهن الزائفة وأفكارهن عن
الحرية الشخصية والتحرر والمعاصرة ،فقد شوّه البعض (للأسف) معنى المعاصرة وصوّروه
فى أتفه الأمور من أزياء وموضة وماكياج وصالات ديسكو!
والإستمتاع الصاخب بالحياة ،فى حين أن معناها أشمل وأعمق من ذلك بكثير!
فالمعاصرة فى الأصل تعنى أن يكون
الإنسان قادراً على التواصل مع زمانه ،وهذا فى الأساس هدف دينى على عكس مما قد
يتصور البعض !
فقد جاء فى الأثر قول رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه فيما معناه:
رحم الله امرءاً بصيراً بزمانه ) أى مدركاً لحقائق ذلك الزمان ، متفاعلاً معها
فيما يحقق خير الإنسان والمجتمع ككل ، فمن يستفيد بحقائق العصر فيطوّره فى تيسير
الحياة يكون بصيراً بزمانه ، ومن يرفض ذلك أو يعجز عنه لا يكون عصرياً ولو كان
يرتدى أحدث الأزياء !
والواضح يا نوال إنكِ كنتِ تعيشين وتتعاملين مع العصرية والتحرر والحرية
الشخصية بمفهوم شكلى شديد الضحالة ! وقد انعكس ذلك المفهوم السطحى على
أفكارك عن الحياة والزواج ،فكانت تجربتك المؤلمة مع خطيبك (العصرى
المتحرر) ذلك الطبيب الغادر !
ورفضت صالح ابن عمك ذلك الرجل الصعيدى الشهم المسلم الملتزم لأنه على حد
قولك منغلق على الحياة وغير مُتَفّتح،هكذا صّور لك فهمك الخاطىء للحياة!
وهكذا أيضاً تصورتِ أن حياتكِ اللامعة المزيفة سوف تحميكِ من غدر الذئاب البشرية الجائعة ،التى
شاء المولى أن يحميكِ منهم 0
وفجأة يظهر صالح مرة أخرى فى حياتك ،يقدم لك الحب والوفاء رغم رفضك حبه من
قبل وإنصرافكِ عنه !
عاد صالح ليقدم لك المثال على ما ينبغى أن يكون عليه شريك الحياة من
مؤازرة لكِ فى المحن ،ووقوف إلى جوارك فى ملمات الحياة وإيمان كامل منه بسلامة
جوهرك رغم ما يحيط بكِ من مظاهر سلبية كثيرة، ويقين مؤكد منه بأنكِ تحتاجين فقط
إلى مراجعة بعض أفكارك عن الحياة والبشر كى ترجعى إلى الطريق القويم وتكون لكِ
حياة حقيقية ليست مُزيّفة !
وهاهى سفينتكِ قد استقرت فى النهاية فى مرفأ ابن عمك الشهم النبيل ،وتغيرت
مفاهيم كثيرة لديك عن السعادة والحب والحياة الحقيقية وأدركت أنتِ نفسك بالتجربة
أن الحياة الطيبة فى اللجوء إلى الله والإيمان الحقيقى بعمق رسالة الإسلام الخالدة
ورسالة بنى آدم فى هذا الوجود، وأن العصرية ليست فى الأزياء الفاضحة والماكياج
الزاعق!
وأكثر شىء أثلج صدرى فى قصتك المؤلمة هو أنكِ أمنت أخيراً بأن بيتاً
صغيراً سعيداً فى أقصى جنوب صعيد مصر ،أفضل كثراً من قصر منيف بالمدينة الصاخبة
! وليت جميع فتيات عصرنا الزاخر بكل أدوات
اللهو والضياع والمجون ، يفقن مما هن فيه
من غيبوبة ويعدن مرة أخرى إلى حظيرة الإيمان الحق والحياة الحقيقية .
أحمد عبد اللطيف النجار
أديب ومفكر عربي
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية