سرديات قصيرة
$$$$$$$$$$
// قصة قصيرة //
تحت أقدام أمي !
بقلم
أحمد عبد اللطيف النجار
كاتب عربي
الجنة تحت أقدام الأمهات ،الجميع يعرف ذلك،
لكن القليلون فقط يقـــــــدرّون هذا القول حق قدره! ، قلة قليلة هى التى استلهمت روح
الإسلام وقيمه النبيلة فى معاملة الأم وتوقيرها وتقديرها ، ولا أقصد هنا
بالتقـــــدير المـــــــــــــادى
فقط كما يفعل الجُهال فى ما يُسمى بعيد الأم
وعــــيد الأب ،بل وحدّدوا يومــــاً معيناً فى السنة لتكريمهم ،أما باقى أيام
العام فالأمر متروك للظروف والمزاج النفسى لكل فرد على حدة!!
وليتأكد كل شخص أهان والديه فى حياتهما
وبالذات الأم ،ليكن على يقين بأن
الله يمهل ولا يهمل وكما تدين تـُدان !
وهذا
ما عايشته بنفسي فى قصة صاحبي الدكتور شريف ، الذى نشـــأ في أسرة ريفية بسيطة فى
قرية ميت الطيبين ،إحدى
قرى محافظة الشرقية ،وكـــــان أبواه أميين متدينين ،فكانت حياة شريف بسيطة للغاية ،حيث
إلتـــحق بكُتــــــّاب القرية
وحفظ أجزاء من القرآن الكريم،وتعلم فى أقرب مدرســـة لقريته حــــــتى أنهى تعليمه
الثانوى ،وحصل على مجموع كبير فالتحق بكلية الطب ،وتمــــــــر أعوام الدراسة سريعاً كما تمر أيام العمر
،ويكابد أبواه شظف العيش من أجـــل توفير المصاريف لدراسة ابنهم الأكبر شريف.
ولأترك صاحبى شريف يقص علينا تطورات مأساته،
يقول شريف:
خلال
سنوات الدراسة تعرفت على زميلتي يسرية فى الكلية وإنجذبت إليها كثيراً وكأن تياراً
مغناطيسياً يشدنى إليها رغم نفور جميع الطلاب منها لغرورها وتقلب مزاجها وتبرجها الزائد ، إلى جانب إنها لم تكن جميلة
إطلاقاً ورغم كل شىء فقد تعلقت بها ولم أجرؤ على مفاتحتها فى شىء ،وللأسف الشديد
فقد كان لذلك تأثير سلبى على دراستى فرسبت فى السنة الإعدادية بكلية الطب ،وسبقتى
هى إلــــى السنة الأولى ،وتدهورت حالتى النفسية كثير ، فكان نجاحى بطيئاً وإنتقالى من سنة إلى أخرى
،أما زميلتى يسرية فقد سبقتنى فى التخرج من الكلية وانقطعت أخبارها عنى عدة سنوات
وإن كانت لا تغادر مخيلتى أبداً ،وأخيراً تخرجت أنا بعد جهد جهيد وذهبت إلى المستشفى
الذى سأقضى فيه فترة الإمتــــــياز ، ففوجئت بزميلة الدراسة يسرية وقد عُينت
طبيبة نائبة فى المستشفى الجامعى الـــــــــذى سأعمل به وأنها سترأسني خلال فترة
الإمتياز ،ولاحظت كذلك أن جميع العاملين بالمستشفى ينفرون منها ،ولكن غرورها تلاشى
نهائياً بعد أن سرقها قطار العمر ويأست من الزواج!
ووجدت نفسى يا أخى وبدون أن أدرى أتقدم لطلب
يدها فوافقت سريعاً وبدون
أى شروط ، فكنت ساعتها مذهولاً لا أصدق نفسى
، وذهبت إلى أهلى فى بلدتى
ميت الطيبين وأخبرتهم بما أنوى عمله ،فلاحظت عليهم
الوجوم والحـــــــــــــــيرة ونصحونى أن أبتعد عن يسرية لأنها كانت السبب فى
أزمتى النفسية من قبــل ،
ولأنها لا تناسبنى ودنياها غير دنياى !
ولكنى للأسف لم أطق أى معارضة وأصررت على
الزواج من يسرية حتى لـــو رفض أبى مساعدتى مالياً!
ومضيت فى إستعدادى للزواج ،وخلال هذه الفترة
توترت أعصــــابى فأصبحت
حاد الطباع مع أسرتى وأذيت أبى وأمى كثيراً
بلسانى فكانا يصبران علىّ عـــلى
أمل أن يهدينى الله ، وكلما اقترب موعد زواجى
ساءت طباعى معهما ،حــــــتى
حدث قبل أسبوعين من زفافى أن نشبت مشاجرة
عادية بينى وبين أمى بسبب
موضوع الزواج ،فإنهلت عليها لوماً وتوبيخاً أمام
أبى وأخــــــــــوتى ،ثم أعمانى الشيطان فإذا بى أرفع يدى وأهوى بها على وجهها
أمام الجميع الذين أصابهم الذهول مما حدث!!
وأسرعت أنا بالخروج وصوت أمى يشيعنى بالدعاء أن
أرى
من أولادى نفس الأذى والمهانة التى عاملتها
بها !
والله يا صاحبى ما زلت أسمع رنين ذلك الدعاء
فى أذنى على مر السنين !!
وعندما ذهبت إلى عروستى يسرية لاهثاً مهزوزاً
،ورويت لها ماحدث متوقـــعاً
منها أن تلومنى وتوبخنى ،إذا بها تقول لى أن
هذا هو أقل ما كان ينبـــــــغى أن أفعله مع مثل هذه الأم السمجة!!
لقد أعمى الله بصيرتى ــ يقول شريف ــ ولم
أشعر بخطورة الجرم الذى اقترفته فى حق أمى ، وتزوجت يسرية ومرت السنون تباعاً
،أنجبنا خلالها البنــــــــات والبنون ،وقاطعت أهلى نهائياً كأنهم ليسوا على وجه
الأرض ولم ينفقا علىّ كل
ما يملكان لأصبح طبيباً !!
وتوجهت كل عنايتى وحياتى وإهتماماتى إلى
زوجتى يسرية وأسرتها ومعارفها
ثم إلى أولادى الثلاثة ، وفى الواقع كانت
حياتى مع يسرية سلسلة متواصلة من
الكآبة والشجار والمشاكل ، أما أبنائى الذين
صبرت من أجلهم على كل ما لاقيته من عذاب وهوان من زوجتى ،فقد شب الولدان الكبيران
مهنم متشبعين بأخلاق
أمهما وطباعها ،وكلما تقدمت بهما السن زادا
شروداً عنى وإلتصاقاً بأمهمــــا ،
حتى جاء يوم كنت أوّبخ فيه ولدى الأكبر على
تدخينه السجائر بشراهة أمـــامى
فإذا به ينفجر فىّ باللعنات فصفعته فإذابه
يمسك يدى ويبصق فى وجهى!!
تصّور ابنى يبصق فى وجهى! وبالطبع إعترانى
إنفعال شديد وصياح عالٍ عــلى
كل من فى المنزل !
والله يا أخى وأنا فى قمة إنفعالى تذكرت وجه
أمى المسكينة وهى مذهولة عقب
تلقيها صفعتى الملعونة!
أمي الحبيبة التي
كان ينبغي عليّ تقبيل قدميها جزاء صبرها وتربيتها وسهرها الليالي تعد لي الوجبات
الساخنة الطازجة انا وزملائي أثناء الامتحانات
!
وتذكرت أيضاً صورة أبى وأخوتى وهم مشدوهون!!
لقد خيل إلىّ أنى سمعت صوت أمى وهى تلاحقنى
بالدعــــاء إلى الله أن يذيقنى نفس الكأس الذى أذقته لها!!
عرفت لحظتها فقط أن ما حدث لى من أولادى
بمثابة إنتقام السمــــاء لما فعلته بأمى ، وأن وقت الحساب قد آن ،وأشعر الآن
بالندم الشديد على سلوكـــى مــع أمى وأبى ،وأرجو الله أن يتقبل توبتى بعد أن مات
والداى ولم يعـــد هناك سبيل
لصفحهما عنى !
إنه درس قاس ٍ وبليغ ،أرجو أن نتعلم منه
جميعاً ونعرف حقاً وصدقاً ويقيناً أن
الجنة تحت أقدام الأمهات ،وأن ماحدث لك يا
صاحبى فإنما هو عقــاب مــــــــن
السماء وفاتورة من فواتير جبروتك وطغيانك على
أمك وظلمك لأهلك ،كــــــان لزاماً عليك سدادها!!
وأنت فى الواقع بدأت السداد فى وقت مبكر جداً
مــــــــــن حياتك الزوجية حين
انقشعت أوهام السعادة مع زوجتك حادة الطباع
،المكــــــــــــــروهة من الجميع ،فتجرعت معها كئوس الشقاء حتى الثمالة ،وقد
بالغت أنت كثيراً بتوهمك إمكان
تغيير طباع يسرية مع علمك التام بسوء طباعها
وكره الآخرين لها!!
فلو كانت يسرية فتاة أصيلة لما قبلت الإرتباط
بك بعد ما رأت مبلغ وفائك لأمــك
وأبيك أو على الأقل لأجبرتك على الرجوع عن
الخطأ، لكن فاقد الشىء لا يعطيه
والحديث الشريف لأشرف الخلق عليه الصلاة
والسلام يقول من عق أبويه عقه ولده ، فكفاك قطعاً لرحمك وابدأ على الفور بالإتصال
بإخوتك ،وأوصل صلاتك
المقطوعة معهم ، وحاول تأدية فريضة الحج نيابة عن أبويك ،لعل الله يغفر لك
ولعلنا جميعاً نعى ونفهم قرآننا الكريم بعقول
واعية وقلوب سليمة ،ولعلنا نطبق
فى حياتنا الدنيا قول الحق سبحانه وتعالى(
وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ) صدق الله العظيم
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية