سرديات قصيرة ///////// طبائع الملائكة ////////////////////////////////////////
سرديات قصيرة
ـــــــــــــــــــــــــ
طبائع الملائكة
بقلم
أحمد عبد اللطيف
النجار
أديب عربي
طبائع الملائكة نورانية شفافة لا تحمل غلاً أو
حقداً لأحد وتسامح مت يسيء إليها ، هكذا تكون أيضاً النفوس الملائكية ، سماتها
العفو عند المقدرة والتسامح مع من جرحوها وأساءوا إليها .
سوزان امرأة ذات نفس نورانية يشع نورها على من
حولها ، تميل دائما للعفو والتسامح مع من أساءوا إليها ، يقول عنها الجميع إنها
على خُلق وأن وجهها ملائكي !
تزوجت من رامي الذي يكبرها بخمسة أعوام بعد قصة
حب جميلة ، وجمعت بينهما العِشرة الطيبة والاحترام المتبادل والمشاعر الصادقة ،
توثقت العلاقة بينهما وازدادت عمقاً بعد أن رزقهم الله بطفلين جميلين ، وسعدت
سوزان بأسرتها الصغيرة وسافرت مع زوجها للعمل في سلطنة عمان منذ عدة سنوات ، وفي
تلك الفترة كانت علاقتها طيبة مع أسرتها وأسرة زوجها ، وأصبحت فترة الأجازات التي
يعودون فيها لمصر من أجمل أيام حياتهما ، يقضونها وسط ترحيب الأهل ودفء المشاعر ،
وكان هناك ميل واستلطاف من سوزان ناحية فتاة من عائلتها تُدعى سهير لا يزيد عمرها عن عشرين عاماً . يعمل والدها
بالخارج وتتنقل أمها بين ابنتها وبين زوجها معظم شهور السنة ، وقد أعطت سوزان
الفتاة سهير رعاية واهتماماً خاصاً هي وزوجها رامي قبل سفرهم إلى عمان ، واعتبرها
الأهل أم ثانية أو شقيقة كبرى لسهير حتى أن والدها كان يستعين بالسيدة سوزان
لإقناع ابنته بما يريد لأنها أقرب الناس إليها ، مرت السنوات وحصلت سهير على
الثانوية العامة والتحقت بكلية التربية ، وتواصلت العلاقة الحميمة بين سوزان
والفتاة سهير .
مرت الأيام وشاءت إرادة الله أن تستمر غربة سوزان
وزوجها ستة أعوام
متتالية ، ثم قرر زوجها أن يعودون لمصر في أجازة
لمدة شهرين ، عادوا بالفعل وطابت لهم الحياة في مصر بعد الغياب الطويل ، وطالت
الأجازة وانتهى الشهرين ولم يعودوا لعملهم بالخارج واستمروا في مصر خمسة شهور
كاملة ، ثم عادوا للخارج ، وفوجئت سوزان بزوجها كأنه شخص آخر مختلف نهائياً عن
الذي عاشرته وتعرفه ، فهو دائم الشرود ويبدو وأنه قد تغير فيه شيء جوهري ، فسرت
سوزان ذلك بتأثير الغربة ووحشتها والبعد
عن الأهل !
ذات يوم وبالمصادفة وجدت سوزان أمامها حقبة زوجها
السوداء التي يحتفظ فيها بأوراقه الهامة
والتي يغلقها بالأرقام السرية ، فدفعها فضولها إلي فتح الحقيبة ، فإذا بها
تجد فيها مجموعة كبيرة من صور وخطابات غرامية تحكي بالتفصيل العلاقة الفاضحة التي
نشأت بين زوجها ( المحترم) وبين الفتاة الصغيرة سهير التي لا يتعدى عمرها عن عشرين
عام !
نعم إنها سهير الي كانت تعتبرها سوزان مثل ابنتها
فإذا بها تتطلع إلى زوجها وتخطفه منها ... صرخت ساعتها سوزان من أعماقها حين رأت
الصور وقرأت الخطابات التي تلتهب بنار الشوق الزائد والمحبة الجنونية ، صرخت
مولولة وسقطت على الأرض وتم نقلها للمستشفى وعولجت بالمهدئات ثم عادت لبيتها وقد اسودت الدنيا في وجهها !
الآن فقط فهمت الزوجة المخدوعة سوزان سر بقاء
رامي في مصر خمسة شهور طويلة أمضاها إلي جوار تلك الشيطانة الصغيرة التي أغرته
بلبس الجينز والملابس القصيرة المفتوحة من الخلف والبلوزات المكشوفة من الظهر وحتى
الرقبة والبنطلونات التي تُلبس بالصابون !!
لقد باع زوجها ( المحترم) حبها وأولاده ووقاره ، واحترام الناس له ، وقررت
سوزان مواجهة زوجها بما عرفت فأنهار واعترف بخطئه طالباً منها أن تسامحه وتغفر له
هذا الخطأ لأن الفتاة الصغيرة هي التي أغرته واستدرجته وحدث ما حدث !
عرف أهل سوزان بما حدث وأصيبوا بالذهول وتأزم
الموقف بين إخوتها وزوجها ولم تستطع هي
البقاء معه في تلك الفترة العصيبة من حياتها ، وعادت في أجازة لمصر واستقر الرأي
على أن يعود زوجها رامي بعدها وأن يتم انعقاد مجلس عائلة بحضور إخوتها وأهله
ليفصلوا في الأمر وينتهي المجلس بالصلح أو بالطلاق ، وتم عقد مجلس العائلة بالفعل
واستقر رأى
إخوة سوزان وكلهم في مراكز مرموقة على ضرورة أن
يتم طلاقها من زوجها تكفيراً عما فعل بها وبالأسرة كلها ، كان ذلك هو القرار الذي
توصلوا إليه ، وسوزان لا تريد أن تهدم بيتها من أجل أولادها ، نعم هي مصدومة في
زوجها رامي الذي أحبته وأخلصت له الود والعِشرة ، ومصدومة كذلك في الفتاة الصغيرة
سهير تلك الشيطانة التي أحبتها واستمرت تحت رعايتها منذ كانت طفلة تحبوا !
لكن ما ذنب أولادها الذين لهم حقوق عليها وعلى أبيهم ولابد من
التضحية من أجلهم بكل غالي ونفيس !
ذلك هو مربط الفرس ، فالسيدة سوزان بروحها
الملائكية الشفافة آثرت التضحية من أجل أبنائها ، هي أيضاً من أصحاب القلوب
الحكيمة التي تتعالى على هوى النفس وصغائرها وميلها الغريزي للانتقام ممن أساءوا
إليها ، وها هي تضع مصلحة أولادها فوق أي اعتبارات وتنظر للأمر كله ببصيرة نافذة
تتجاوز عن عثرات الطريق !
إن الملائكية التي يصفون بها وجهها لا تقتصر فقط
على ملامح الوجه وإنما تمتد إلى الروح والنفس ، تلك هي طبائع الملائكة التي لا
تسمح للمرارات والأحقاد أن تفسد عليها مشاعرها الأصيلة عند أول بادرة جحود أو خطأ
.
أحمد عبد اللطيف النجار
أديب عربي
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية