سرديات قصيرة /////// قلب شيمته القسوة !! /////////////////////////////////////////////
سرديات قصيرة
ـــــــــــــــــــــــ
قلب شيمته القسوة !
بقلم
أحمد عبد اللطيف النجار
كاتب عربي
هناك
قلوب بطبيعتها قاسية ، جامدة لا تشعر بآلام
الآخرين وأحزانهم ، لا تحاول أن تكون بلسماً شافياً لآهات المجروحين ، المكلومين !
لكن
علي من تقسو تلك القلوب المتحجرة ؟!
هي
في الواقع لديها قسوة غير محدودة تشمل جميع الخلائق !
حتي ذوى قرباها ، حتي فلذات أكبادها !
من يتصور أنه يوجد في هذا الكون الواسع الفسيح
قلوب قاسية إلي هذا الحد ؟!
أنا شخصياً أقابل بين الحين والآخر قلوب
قاسية لأمهات نزع الله الرحمة من قلوبهن ، أغضب أتألم ، أثور لأنني أدرك جيداً ماذا تعني كلمة
أم ، تلك الكلمة الربانية الحانية التي يكرمنا ويسامحنا الله من أجلها ،
والتي غضبها من غضب الله .
بسمة فتاة مسكينة ، جاءتني ذات يوم حزينة باكية ،
مكسورة الفؤاد والخاطر تقول : أنا فتاة في الخامسة والعشرين من عمري ،
مرتبطة بشاب
له أم قلبها متحجر ، قلب شيمته القسوة ، سعيدة جداً بصلابتها وتحّكمها في
أولادها وتصرفاتهم ومشاعرهم !!
أم فتاي أسامة لا تشعر بأي ندم علي سلوكها
التسلطي هذا ونحن لا ذنب لنا فيما تفعله
أمه ، فلقد أحببت أسامة وهو شاب من نفس
مستواي الاجتماعي والمادي والثقافي والعائلي ، ولا يوجد بيننا ما يمنع أن نكون
زوجين متحابين سوى رفض أمه الحاد والمتسلط
والمستمر لمدة تسع سنوات طوال عجاف لي بدون أي مبرر سوى أن ابنها أسامة
يحبني ويصّر عليّ ، وأنه هو الذي
اختارني وليست هي صاحبة الاختيار ، فرفضت
حتي أن تقابلني أو أن تسمعني وكأنني سوف أغتال ابنها أسامة !
هكذا عشنا في حرب أعصاب طوال تسع سنوات وهي تحاول أن تقنعه بغيري ، وأنا وهو
نرجو رضاها ولكن قلبها لا يرّق ولا يتأثر
.. لماذا ؟ ..لا أدري ...!!
إلي متي هذا العناد ،لماذا تعذب ابنها بدافع الحب ؟!
لماذا الظلم وتحطيم القلوب ؟!!
المشكلة إنها تعلم يقيناً أن ابنها لن يتزوج غيري ، فلماذا الرفض ؟
هل سيرضيها أن أتزوج منه دون رضاها ؟ ... هل
ستسعد عندما لا تحضر زفاف ابنها ؟ .هل ستكون سعيدة حين لا ترى أحفادها منه ؟!
لقد ذهبت مع أسامة إلي أحد الشيوخ لأخذ رأيه من
الناحية الشرعية ، فقال لنا : تزوجا دون رضاها لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق ، والزواج طاعة لله في هذه الظروف ، ورفضها يدعوكما للمعصية وإمكان الوقوع
فيها بسهولة !
ليت أم أسامة تعلم أنني لن آخذ ابنها منه بحبه لي
كما تظن ، وأنني ألتمس رضاها كي تسعد ابنها
وتسعدني ، فليس الحب جريمة طالما كان في نطاق
الاحترام ، أرجو ان تفهم ذلك بقلب
واع وصدر
منشرح ،وأن
تعتبرني ابنتها ، كما إنني اعتبرها أمي الثانية
وليست حماتي!
& تلك كانت قصة الصبر اليائس ، فتاة مسكينة
ذات قلب برئ ، ظلت تعاني تسع سنوات كاملة
، ما زالت تصبر وتنتظر كي يرق لها قلب أم
الفتي الذي اختاره قلبها !!
يا إلهي
، أي قلب هذا ؟!!
إنها فترة كافية لأن يرق قلب أي أم في الوجود
لابنها وتأذن له بالزواج ممن اختارها قلبه
حتى ولو لم تكن في أعماقها غير
راضية عن هذا الاختيار !
حتي لو كان لديها ألف سبب وسبب للاعتراض عليه ،
فإنه من الواجب عليها في النهاية أن ترضخ لرغبة ابنها التي تأكدت بمضي الزمن والسنوات !
ما معني التحجر علي موقف الرفض من جانب الأم إلي ما لانهاية سوى إهدار العمر الثمين في الصبر والانتظار واختزان فلذة كبدها وفتاته للمرارة في أعماق كل منهما تجاه من تحول بعنادها الرهيب دون تحقيق حلم السعادة وتكوين
أسرة صغيرة !
وكما هو واضح لنا فأن أسامة أحواله المادية
متيسرة وقادر علي تكوين أسرة منذ تسع سنوات ، لكنه يشفق علي أمه من أن يحقق
سعادته علي غير رضاها ومباركتها ، فكيف لا
تترفق به بعد كل هذا الصبر وتمنحه الإذن
بالزواج ؟!!
ذكرّتني قصة بسمة وأسامة بقصة الملك سيف بن ذي
يزن مع أمه ، كانت أم الملك سيف تكرهه هكذا دون أي سبب ، بل وحاولت قتله أكثر من
مائة مرة ، رغم ذلك صبر عليها الملك كثيرا ولم يحاول أن يؤذيها لأنها في النهاية
أمه !!
وكان في مقدور بطل قصتنا أسامة أن يتزوج من أحبها
علي غير
إرادة أمه
طوال التسع السنوات الضائعة من عمره !
إذن كيف لا يكون الرفق بمثل هذا الإبن هو العطاء المقابل لصبره علي نفسه وحرصه علي عدم إغضاب والدته كل هذه السنين ؟!
إن رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه يقول لنا ما معناه : رحم الله امرئ أعان ولده علي بره ، أي أعانه بالعدل معه
والرفق به علي أن يكون ابناً باراً به يرعى الله فيه ويطيع ربه في تعامله معه.
الموقف المتصلب من أم أسامة أيا كانت دوافعه
مرفوض ، فهي بذلك تدفعه دفعاً إلي شق عصا الطاعة عليها ، وأيضاُ ترضي له بالحرمان
مما يراه سعادته المشروعة لاعتبارات غير منطقية وظالمة ، وذلك هو بعينه
ما يطلقون عليه العِناد الصخري والرغبة
المتسلطة في عدم الانهزام أمام الآخرين
حتي لو كانوا أبنائهم !
ليس هكذا يكون التعامل مع الأبناء ورغباتهم
المشروعة ، ما هكذا يكون البر بالأبناء والرفق بهم !!
ولقد قال خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز
: إن الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس
بعاص وإنما العاصي هو الإمام الظالم!
ونأمل ألا تكون أم أسامة من الظالمين !!
أحمد عبد اللطيف النجار
كاتب عربي
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية